الضجَّة التي أحدثتها عودته، توازي الضجَّة التي أحدثتها مغادرته. للرئيس الشاب سعد الحريري جدوى سياسية في المغادرة وفي العودة.

عاد في توقيت المشاركة في الذكرى العاشرة لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري، لكن على مدى أسبوعين من هذه العودة غطَّى فراغ فترة غيابه عن لبنان، ملأ الدنيا وشغل الناس، كان هناك الكثير من الملفات التي تنتظره في بيروت، فقاربها مع أصحاب الشأن:

من الملفَّات العسكرية مع المؤسسات العسكرية، إلى الملفَّات الحزبية مع قيادات وأركان تيار المستقبل، إلى الملفِّ الحكوميّ وتشعباته مع الرئيس تمام سلام، إلى الملفِّ الرئاسيّ مع الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون وغيرهما، إلى ملفِّ الحوار مع حزب الله. ويمكن القول بإنها كانت عودة ترتيب البيت الداخلي بكلِّ المقاييس.

***

لكن في المقابل، هناك ملفات خارجية على جانب كبير من الأهمية وتستلزم اهتماماً فائق التصور ومتابعةً من الرئيس الحريري:

فالشهر المقبل حافلٌ بتطورات من شأن نتائجها التأثير مباشرةً على الأوضاع اللبنانية:

فهناك مسار المفاوضات الإيرانية - الغربية حول الملف النووي الإيراني، ونتائج هذه المفاوضات ستُحدِّد ربما مسار رئاسة الجمهورية في لبنان. وهناك إستحقاق الإنتخابات الإسرائيلية التي تعني الشيء الكثير بالنسبة إلى ملفات المنطقة، حيث أنَّ مَن سيكون رئيس الحكومة في إسرائيل سيُحدد مسارات عدة في المنطقة، خصوصاً أنَّ بنيامين نتنياهو على خلاف مستحكم مع الإدارة الأميركية.

وهناك التطورات السورية من باب إنعكاساتها على التطورات اللبنانية، والتي تستحق متابعةً حيثيثةً ومن قرب.

***

كلُّ هذه الملفات مجتمعةً حدت بالرئيس سعد الحريري إلى التوجه إلى الخارج لمواكبة مساراتها وتطورها، والنتائج التي يمكن أن تنجم عنها، فالسياسة ليست كما يعرفها البلديون في لبنان:

مجرَّد تَرَف في لقاءات محلية لا تقدِّم ولا تؤخِّر، بل هي مواكبةٌ محلية وعالمية لأنَّ هذا الوطن الصغير باتت كل قضاياه مرتبطة بالخارج على كل المستويات ومن أصغر ملف حتى أكبرها، أمَّا القضايا الداخلية التي يقوم البعض بالتحرك في شأنها فلا تعدو كونها، وفي أقصى حالاتها لقاءات كيدية، بمعنى أنَّ كلَّ فريق يحاول من خلالها تسجيل موقف على الفريق الآخر.

آخر بِدَع الحراك القائم مسألة آلية عمل مجلس الوزراء. في الأمثال اللبنانية هناك مثلٌ يقول تعيشوا وتفوقوا، فما هذا الحرص المستجد على الدستور؟

الحكومة تعيش منذ عام على آليةٍ غير دستورية، فما هذه الإستفاقة المفاجئة على الغيرة على الدستور؟

فمعظم الذين يجتمعون هم شركاء في الحكومة، لماذا لم يبحثوا هذا الأمر في اليوم الأول ما بعد الشغور في موقع رئاسة الجمهورية أي في الخامس والعشرين من أيار الماضي؟

وهل يُعقَل أن يستفيقوا على ذلك في الشهر التاسع على عمل الحكومة في غياب رئيس الجمهورية؟

إن حركة هؤلاء لا تُقدِّم أو تؤخِّر، فبعضهم يبحث عن دور، علماً أنَّ المسألة لا تتعلَّق بأدوار لأننا لسنا في مسرحية بل في مهمة إنقاذية لإنقاذ الوطن.