ليس ما تعرّض له الأشوريون أخيرًا في الحسكة في سوريا على أيدي عناصر تنظيم "داعش" الارهابي أول أو آخر المؤشرات على أن الشرق الأوسط الجديد الذي تريده الدول الكبرى والتي أنشأت وغذّت "داعش" حرصا على قيامه قد لا يكون هناك مكان للمسيحيين فيه. أقله وبما لا يقبل التشكيك، فهو شرق أوسط لا يحوي مسيحيين لا في العراق ولا في سوريا، ليبقى التساؤل الكبير حول مصير مسيحيي لبنان الذين انضم اليهم في السنوات الـ4 الماضية عشرات الآلاف من مسيحيي الدول المجاورة ليتحول أصغر بلد في المنطقة لأكبر بقعة تضم مسيحيين.

يبدو أن دوائر القرار التي حسمت أمرها باعتبار لبنان محطة لمسيحيي المنطقة باتجاه بلدان الهجرة الدائمة، لم تحسم أمرها بما يتعلق بمصير مسيحيي لبنان أنفسهم، فـ"داعش" المتربص عند الحدود وخلاياه النائمة في الداخل لم يتلق بعد أي أمر عمليات للرمي بثقله في سبيل تحويل الوضع في لبنان الى وضع مماثل لما تشهده دول الجوار. قد يصل هذا الأمر خلال ايام أو أشهر وقد لا يصل، لكن وفي حال كان للبنان في الشرق الأوسط الجديد وجهٌ جديدٌ وتركيبة مغايرة فلا شك أنّه لن يكون للمكوّن الاضعف حاليا فيه، أي مسيحيوه، مكان.

ولعلّ المخاوف التي تقض مضاجع الدوائر والمراجع المسيحية في لبنان من أن يكون مصير المسيحيين هنا كإخوانهم، تعكس وبما لا يقبل الشك مدى خطورة ما هو مقبل علينا. فلا من يطمئن هؤلاء حول مصيرهم طالما الحدود الجديدة لم تتبلور بعد.

ويربط مرجع مسيحي مصير مسيحيي لبنان بمصير ​الانتخابات الرئاسية​، منبّهًا من إمكانية أن يكون التمادي بالفراغ الرئاسي مجرّد بوابة لاقتلاع موقع الرئاسة المسيحي من جذوره تأسيسًا لتهجير مسيحيي لبنان وترك المنطقة جحيم صراع مذهبي بين السنة والشيعة.

يرى المرجع أنّ الخلافات بين رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بالاضافة الى الزكزكات السياسية التي يمارسها هذا ضد ذاك، كلها عوامل ثانوية وهامشية في اللعبة الكبيرة المحتدمة في المنطقة. فلا قرار الرئاسة في الرابية ولا مصير عون بين يدي جعجع. هو مصير البلد ككل بمسيحييه ومسلميه يُطبخ كما مصير البلدان المجاورة والمنطقة ككل في عواصم صنع القرار العالمية.

ولعلّ الدور الثانوي الذي تلعبه البطريركية المارونية حاليًا، وهي أمّ الصبي، بالاستحقاق الرئاسي أكبر دليل على اقتناعها بأنّها عاجزة أمام قرار كبير بتغيير ملامح المنطقة، لجأ أصحابه الى أبشع الأدوات لتطبيقه مستخدمين ارهابا لم تعرفه البشرية من قبل. فلم يجد راعي المسيحيين، بطريركهم بشارة بطرس الراعي الا ورقة وحيدة خاسرة بين يديه يلعبها بدعوة الدواعش للحوار... وأيّ حوار!

"هي مرحلة الانتظار الثقيل... انتظار تحديد المصير، وعلى ما يبدو ستكون مرحلة طويلة مظلمة ومرهقة"، هكذا يقرأ المرجع ما هو مقبل على البلاد، "فاما ينتخبون لنا رئيسا تسوويا يحركونه في هذه المرحلة بما يخدم المشروع الكبير، أم يكون القرار الذي نحلم به بأن يظل لبنان محيدا عن كل ما حوله، وركن المسيحيين في المنطقة وواحة تلاقٍ للأديان. وهذا قرار لا يثبته الا رئيس قوي يمثل حقيقة المسحيين".

وبالمحصلة، وبالرغم من كل البشاعات التي يمارسها الارهابيون، لا يبدو أن الخوف قد تملك بعد من نفوس أقليات لبنان وخاصة المسيحيين منهم ليشرعوا بالهجرة، وكأن هؤلاء وشركاءهم في الوطن يشعرون أن ما يحصل من فظاعات بعيد عنهم سنوات ضوئية بينما هو على مرمى حجر... أو أن قدرة وقرارا غير أرضي يحرس أيامهم ومصيرهم.