نجح رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ حيث فشل الآخرون، وتمكن عبر كلمات قليلة فقط، من إحداث شرخٍ كبيرٍ لدى الجاليات ​اليهود​ية في العالم، حيث وقف أعضاؤها محتارين أمام ما ذكره وكيفية التعاطي معه.

دعا نتانياهو منذ ايام "يهود الشتات" الى العودة الى ما اسماه "وطنهم الحقيقي وارضهم الحقيقية" واعرب عن استعداده لرصد المبالغ المالية اللازمة من اجل تحقيق هذا الحلم، مدعياً انهم باتوا مستهدفين في اوروبا وغيرها من البلدان فقط لانهم يهود.

في الواقع، لم يؤد هذا الكلام غايته المرجوة، بل اعطى مفعولاً عكسياً، حيث انتفض العديد من اليهود في الخارج رافضين عرض نتنياهو ومعتبرين انه أُطلق فقط من اجل غايات سياسية، فيما اعتبر البعض الآخر ان ما قاله نتنياهو جدير بالبحث.

لكن الواقع يشير الى ان مسار رفض الدعوة يسير بخطى ثابتة واقوى بكثير ىمن مسار قبولها وذلك للاسباب التالية:

- اختار رئيس الوزراء الاسرائيلي التوقيت الاسوأ للحديث عن امن الاسرائيليين وتأمين عناصر الحماية لليهود العائدين. ففي ظل تنامي قدرات حركة "حماس"، والمخاوف التي ابداها ويبديها مسؤولون اسرائيليون من العسكريين والمدنيين لجهة امكان خرق "حزب الله" للحدود وخوفهم من نقله الحرب الى الداخل الاسرائيلي، لا يمكن القول ان توقيت كلام نتانياهو مثالي في هذا الشأن.

وتزداد المسألة تعقيداً اذا ما اخذنا في الحسبان ان جبهة جديدة في طور النمو وهي جبهة الجولان التي يضعها "حزب الله" وايران نصب اعينهما، فيما تتحضر اسرائيل لها عبر خطتها لتسليم الارهابيين المسلحين مسؤولية حماية المنطقة كخط دفاع اول.

- لم يقتنع اليهود في اوروبا واميركا وغيرها من الدول ان اوروبا باتت اقل امناً لهم من الدول التي يعيشون فيها، وانها تقدم لهم مستوى اقل من العيش والحرية والرفاهية... فهل العيش في اسرائيل سيكون مناسباً اكثر من العيش في اوروبا واميركا مع كل ما يعنيه ذلك من ميزات اضافية؟

ولعل اي احصاءات اجريت او يمكن ان تجري، ستكشف بما لا يقبل الشك ان الامان والرفاهية لليهود في الغرب اكثر بكثير مما هو عليه في اسرائيل، كما ان السياسة الاقتصادية الاسرائيلية في ايام نتنياهو لا تبشر بالخير.

- يتساءل الكثير من اليهود في الغرب عن هذه "الحماسة الزائدة" لنتنياهو من اجل جذبهم الى اسرائيل، وعما اذا كان الهدف فقط اقامة "دولة يهودية" نادى بها منذ فترة ولم تجد مقومات وجودها بعد. كما انهم يتساءلون ايضاً عما اذا كان جذبهم الى اسرائيل هو لاقامة "امر واقع" آخر في وجه الفلسطينيين ومناداتهم باقامة دولة فلسطينية مستقلة تضمن تجمع جميع الفلسطينيين فيها.

- يرى بعض اليهود في الغرب ان سياسة نتانياهو ترتد سلباً عليهم، وانهم غير ملزمين التقيد بها، خصوصاً في ظل الصراع الدائر بينه والرئيس الاميركي باراك اوباما والذي بلغ اوجه في الآونة الاخيرة باعلان الديمقراطيين مقاطعة الكلمة التي سيلقيها رئيس الوزراء الاسرائيلي في الكونغرس حول ايران ومشروعها النووي.

ولا شك ان هذه المواجهة ستصل بشكل او بآخر الى اوروبا نظراً الى العلاقات الوطيدة التي تربط اميركا بالقارة العجوز.

ان كل هذه الاسباب وغيرها، تجعل من المنطقي ان يتسبب كلام نتنياهو ودعوته هذه الى انشقاق اليهود في اوروبا، بين من يعتبر ان ولاءه لاسرائيل يفرض عليه احترام رغبة رئيس وزرائها، ومن يرى ان سياسة نتنياهو ترتد سلباً عليهم وان عليهم الابقاء على ولائهم لاسرائيل دون ولائهم للحكومة او رئيس وزرائها.

في كلا الحالتين، نجح نتنياهو في احداث الشرخ الكبير الذي عجز عن احداثه كل العرب مجتمعين لعقود من الزمن.