منذ ان قررت فرنسا نشر التعليم الفرنكوفوني في لبنان والشرق الاوسط مطلع القرن العشرين، نشأت مدرسة "ليسيه عبد القادر" في موقعها الاستراتيجي وسط العاصمة اللبنانية بيروت في منطقة زقاق البلاط، واصبحت على مر السنوات صرحا تربويا ثقافيا تاريخيا، وحتى أثريا وإن لم يصنف كذلك لاعتبارات سياسية.

في العام 1985 اشترى رئيس الحكومة الأسبق ​رفيق الحريري​ المدرسة، بسبب خوف البعثة العلمانية الفرنسية من أوضاع لبنان، وابقى عليها، ولكنه عهد الى مؤسسة الحريري التربوية ادارتها بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية والبعثة الفرنسية، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى ايامنا هذه حيث اصبحت اليوم المدرسة مهددة بالنقل لاسباب تجارية بحتة.

منذ اشهر تبلغ أهالي طلاب "ليسيه عبد القادر" بأن المدرسة ستُنقل خارج بيروت خلال مدة زمنية لا تتخطى الخمس سنوات، لتعود من بعدها رئيسة مؤسسة الحريري التربوية شقيقة رئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة، السيدة سلوى بعاصيري، وتؤكد ان المدرسة قد لا تنتقل، وعندها بدأت رحلة "عذاب" الاهل الذين حتى اليوم لا يعرفون حقيقة عملية النقل ان كانت ستحصل أم لا او متى ستحصل والى أين.

ويعود سبب هذا الضياع حسبما علمت "النشرة" الى ان المسؤولين عن المدرسة لا يملكون توجّها واضحا حتى الساعة يستطيعون به مواجهة الاهالي واقناعهم فيه، وان كل ما هو واضح وجلي هو نية وريثة الارض السيدة ​هند الحريري​ ببيع الارض او اقامة مشروع تجاري عليها تماما كما فعل شقيقها ​بهاء الحريري​ في فردان حيث حلّت الـ"abc" مكان مدرسة "الكرمل سان جوزيف" التي كانت قائمة هناك.

وتضيف المعلومات ان السيدة هند الحريري لا تبالي بمصير المدرسة ولا يعنيها أمر نقلها او مكان النقل بل كل همها هو الخطة التي تريد تنفيذها مكان المدرسة، الامر الذي يعاكس كليا ما يتمناه رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ الذي يعلم بأن ما يجري اليوم في مدرسة "ليسيه عبد القادر" لا يصبّ في مصلحته السياسيّة بيروتيا، اذ ان اهالي الطلاب سبق والمحوا الى هذا الامر في مناسبات عدة، ليس اخرها الجمعية العمومية التي حصلت في المدرسة العام الماضي.

كما علمت "النشرة" ان شيوع خبر نقل المدرسة في العام المنصرم أثر كثيرا على صيتها، اذ ان العام الحالي شهد انخفاضا بعدد الطلاب لم تشهده خلال السنوات الماضية، مما اضطر الادارة لاعتماد الاعلانات التلفزيونية لاستقطاب الطلاب، كذلك تسبب الخبر حسب معلومات "النشرة" بانتقال اساتذة للتعليم في مدارس اخرى مع عدم القدرة على توظيف اساتذة بنفس المستوى.

أما من ناحية ثانية فإن نقل المدرسة من مكانها في زقاق البلاط الى مكان أخر، والذي يبدو حسب المعلومات الخاصة انه سيكون بنسبة كبيرة في منطقة المشرف، يعني خسارة الصرح التربوي التاريخي الذي تمثله "ليسيه عبد القادر" وخسارة موقعها الاثري خصوصا البناء القديم المؤلف من ثلاث طبقات والمبني على الطراز اللبناني التقليدي، مع التشديد على ان طلاب المدرسة لن يلحقوا بها خارج بيروت. وتضيف المعلومات: "في الفترة الاخيرة كثرت التدخّلات السياسية في المدرسة خصوصا مع الغاء انتخابات لجان الاهل، ومنع الاهالي من نقل اولادهم الى مدارس "الليسيه" الموجودة في بيروت، الامر الذي سبب نقمة عارمة من الاهالي الذين قد ينفجرون في اي لحظة اذا ما استمرت الامور على حالها".

لا يبالي اهالي طلاب مدرسة "ليسيه عبد القادر" بما يدور في كواليس السياسة بين سعد الحريري وبهاء الحريري من جهة وهند الحريري من جهة ثانية، ولا يبالون ان كان وسام عاشور يفاوض لشراء الارض لحساب مستثمرين كبار، او ان كان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي هو من اشترى او يسعى لشراء الارض، بل كل ما يهمهم هو اولا بقاء المدرسة في مكانها لما تمثله في وجدان اهل بيروت والمنطقة والطلاب والاجيال التي تخرجت منها، وثانيا وهو الاهم توضيح حقيقة ما يجري لهم، اذ ان السرية المعتمدة اصبحت غير مقبولة وهي تؤدي الى رحيل طلاب ونقمة الاهل وانخفاض المستوى التعليمي.

يقول البعض ان رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري عمل على بناء بيروت والحفاظ على طابعها التراثي، وكثيرة هي الادلة التي تثبت حرصه على العاصمة واهلها، منها منطقة "الدالية" و"ليسيه عبد القادر"، الا ان الورثة يبدو ان لهم توجهات اخرى، "فالدالية" لم تعد موجودة، و"الكرمل سان جوزيف" اصبحت "abc" فهل سيكون نصيب "ليسيه عبد القادر" كذلك أيضًا.

تصوير محمد سلمان