لا شك ان الاطراف السياسية المتضررة من الحوارات التي تجري «بالمفرق» لا توفر فرصة للتسلل الى هذه الحوارات علها تقلب الطاولة وتبعثر اوراق التفاهمات التي وان كانت هزيلة لكنها قد تؤدي الى الوصول الى المخرج من النفق الذي دخل فيه لبنان منذ العام 2005 حيث تصدع الجسم اللبناني الى فريقين 8 و14 آذار.

ولعل ابرز الحوارات التي يعلق عليها المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً، الحوار بين الجنرال ميشال عون ورئيس «حزب القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي منذ ان بدأت الزيارات المكوكية بين الرابية ومعراب والتي يقودها «دينامو» الرابية النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز التواصل والاعلام في حزب القوات ملحم رياشي الذي لا يتواصل ولا يبوح للاعلام بالنقاط التي تم معالجتها، والفريق المسيحي يترقب نتائجه، بحيث انه في كل مرة يروج في الاعلام ان الاجتماع بين القطبين المسيحيين اصبح «على قاب قوسين»، واذ بعقارب ساعة اللقاء تعود الى الوراء، على الرغم مما اشيع عن نتائج تم التوصل اليها في العديد من النقاط ومنها الغبن اللاحق بالمسيحيين في مؤسسات الدولة، صلاحيات رئيس الجمهورية، والتهدئة الاعلامية بين ابناء الطائفة، وكلها امور كان من المتوقع تسويتها.

اما موضوع الرئاسة، فهو الاصعب لا سيما وان الجنرال والحكيم مرشحان دائمان للرئاسة ولا بد من ان يتنازل احدهما للآخر لملء الفراغ الرئاسي الذي بدأت تداعياته تلقي بظلالها على جلسات مجلس الوزراء المنقطع عن الاجتماع لتسوية مسألة صلاحيات الحكومة الذي يرى البعض انها اصبحت تمارس دور رئيس الجمهورية وهو امر ينذر بضرورة الاعتياد على الفراغ الرئاسي.

مصادر مقربة من «التيار الوطني الحر» تؤكد ان الجنرال ميشال عون يمارس التكتم الشديد على مضمون هذا الحوار ونقاطه حتى الى اقرب المقربين، ولو ان البعض يؤكد ان الحوار ضربه صقيع الطقس.

وهنا يطرح السؤال هل ان زيارة الجنرال بيت الوسط والاحتفال بعيد ميلاده الثمانين مع الرئيس سعد الحريري شريك جعجع في السراء والضراء، خصوصا حضور عرابي الحوار البرتقالي المستقبلي نادر الحريري والنائب غطاس خوري، قد القى بظلاله على الحوار، ام ان عقدة الرئاسة قد فرملت هذا الحوار؟

وهنا يلفت المصدر الى ان الحريري كان واضحاً وصريحاً في موضوع وصول الجنرال الى الرئاسة حيث أكد له ان القيادة السعودية لم تضع الملف اللبناني في اولوياتها وهي منهمكة في ترتيب بيتها الداخلي لناحية التعيينات، ولم يتبين الى الان ان كان هناك تغيير في السياسة السعودية او في رموزها لا سيما ان الجميع يعلم ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لا يكن المودة للجنرال، ويضيف المصدر ان الجنرال ربما يعتبر ان ليس له مصلحة في لقاء جعجع قبل التوافق على ملف الرئاسة، لا سيما وان هناك مواضيع داخلية بدأت تطرح وقد لا تخدم موضوع الرئاسة، على الرغم من ايمانه العميق بان المفاوضات الاميركية ـ الايرانية هي التي ستنتج الرئيس اللبناني.

وهنا يسأل المصدر هل اذا تم التوافق على موضوع اعادة تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية او التوازن في الادارة او اعادة الجنسية للمتحدرين او الغاء الشوائب في مرسوم التجنيس الشهير او التوافق على قانون انتخابات نيابية يسحب من يد السنة تعيين ثلث النواب المسيحيين دون الحاجة لموافقتهم، هل يستطيع الدكتور جعجع اتخاذ موقف علني منها دون الرجوع الى حلفائه وكل نتذكر موقف تيار المستقبل من مشروع القانون الارثوذوكسي للانتخابات النيابية وكيف انتهى موقف القوات؟ وبالتالي تعزيزاً هل يسير الدكتور جعجع بالجنرال مرشحاً مارونياً قوياً للرئاسة اذا توافق معه ضمن تسوية معينة، بدون موافقة الحريري والحلفاء الاقليميين لـ 14 اذار؟

مصدر في 14 آذار يؤكد ان الحوار مازال قائماً ولكن وتيرته خفت نسبياً، لا سيما وان «القوات» ما زالت تدرس ورقة نقاط التفاهم، وان العقد التي برزت عولجت من خلال الاتصالات وهي ليست لها علاقة بصلب الحوار الذي لا يعرف بنوده احد وكل ما يحكى هو مجرد تكهنات، خصوصاً ان الامور تجري بسرية تامة حفاظاً على قدسية هذا الحوار.

وتابع المصدر ان الحوار يجري بوتيرة مدروسة ومتأنية، وان الحديث عن قرب اللقاء هو لذر الرماد في العيون، ولن يحصل ما لم يتم الاتفاق على ورقة التفاهم بين الجانبين، لا سيما وان القطبين يحاولان «وضع خط على الماضي» لمحوه من الخطاب السياسي وليس من الذاكرة، والاكيد ان الاتفاق سيحصل وسيكون انجازاً كبيرا خصوصاً ان هناك توافقاً على قانون انتخاب ينصف المسيحيين، وينطلق من قاعدة المناصفة التي نص عليها الدستور.

اما في موضوع الرئاسة فهناك كلام عام بضرورة وجود رئيس لديه صلاحيات، وليس صحيحاً ما يشاع ان الجنرال يريد من جعجع ان يوافق على انتخابه لكن جعجع لديه شروطه، لكن المؤكد ان هناك اصراراً على تحقيق النجاح، رغم ان نظرية جعجع بالنسبة لموضوع الرئاسة هي النزول الى ساحة النجمة وانتخاب رئيس وبذلك تقطع الطريق على كل التدخلات الخارجية الاقليمية والدولية.