المكابرة والسياسة لا يلتقيان، خصوصا في بلدٍ مثل لبنان حيث تنكشف المناورات بسرعة الصوت لا بل بسرعة الضوء.

ولأن المكابرة والسياسة لا يلتقيان فإن على رئيس الحكومة أن يختار بين أن يُكابر أو أن يمارس السياسة.

اذا شاء أن يُكابر فبإمكانه أن يبقى يوحي بأنه معتكفٌ، فالمكابرة تُتيح له ذلك ولكن ماذا بعدها؟ الأفق المجهول والمسدود خصوصاً في غياب انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يحرمه من المكابرة، اذاً عليه أن يتسلّح بالواقعية، فماذا تقول هذه الواقعية؟

تقول:

لا إمكان للتراجع الاّ حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية فعندها تُقدّمون استقالتكم لفخامة الرئيس وتباشرون تصريف الأعمال الى حين تشكيل حكومةٍ جديدة. وما قبل ذلك وما دون ذلك، الاعتكاف حلم. فالحكومة مسؤولية وليست ترفاً.

الحكومة مطالَبَة بالكثير، لا بل بكل شيء، الى حين إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، بما هو سياسي وبما هو معيشي وحياتي وبما هو صحي وخدماتي وبما هو عسكري وأمني، فإلى أين المفرّ؟

الملفات بعدد الجلسات التي عقدها مجلس الوزراء حتى اليوم، ولا ينفع تعليق هذه الجلسات لأن الملفات تتعقّد بدلاً من أن تتحلحل. خطورة هذه الملفات ليس في أهميتها فحسب، لأنها كلها مهمة، بل في السعي لترتيبها وفق الأولويات لمعالجتها، وما لم يوضَع هذا الترتيب فان الفوضى ستبقى مستشرية.

أول الملفات الذي يستدعي المعالجة هو ملف الكهرباء، فهل يملك رئيس الحكومة كامل معطياته؟ إذا كان الأمر كذلك فليعكف على معالجته اليوم قبل الغد، وأمس قبل اليوم، فهذا الملف لم يعد يحتمل الإنتظار ولا بأي شكلٍ من الأشكال.

وإذا لم يُوفّق رئيس الحكومة في جعلِ مجلس الوزراء يجتمع، فعلى الأقل عليه أن يستدعي المعنيين بملف الكهرباء: من الوزير المختص الى مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان الى سائر المعنيين بهذا القطاع، ولا يتم الخروج من الاجتماع إلاّ ويكون قد وضَعَ حلاً لهذه الأزمة المستعصية التي تفرَّق بين المولّدات الخاصة والباخرة التركية.

أما الملف الثاني الذي يجب أن يضع حداً له فهو ملف ما هو مطابق وما هو غير مطابق سواء في المواد الغذائية أو في الدواء، بعدما فتح الوزير ابو فاعور الطريق له وسهّل عليه الأمر.

الملف الثالث الذي يُفتَرَض بدولة الرئيس أن يُتابعه هو ملف ما حُكيَ من فضائح: من الحوض الرابع الى المسلخ الى كل ما من شأنه رفع منسوب الفضائح على حساب الشفافية. دولة الرئيس، اذا كنتَ تريد أن يبقى لكَ أثرٌ ايجابي تُحاكي به الأجيال الآتية فما عليكَ سوى قطع الطريق على كل الذين يحاولون إطالة أمد الفراغ من خلال تشريعه عبر آليات لا يقرها لا منطق ولا دستور ولا شريعة.

لا خيار سوى البقاء الى حين ملء الشغور، وأيّ كلام آخر هو من باب تمرير الوقت الذي بالتأكيد لا تستسيغه ولا يستسيغه أحد من أفراد الشعب اللبناني.