رأى السفير الإيراني محمد فتحعلي أنّ "بعض الفرقاء الذين ابتعدوا طويلاً عن ساحة لبنان الداخلية وكانوا أقرب إلى الأمور لا زال لديهم تشويش في فَهم بعض المسائل الإقليمية المهمّة"، آملا "أن تتحسّن رؤيتهم من خلال الحضور الميداني في الساحة ومشاهدة الوقائع مباشرةً"، داعياً هؤلاء إلى "الترَوّي في مواقفهم أكثر".

وأشار فتحعلي في حديث صحفي إلى انه "شهدنا خلال السنوات اخيرة ظهورَ عدد كبير من ارهابيين المدجّجين بالسلاح من الداخل والخارج يمارسون أعمالاً وحشية لقيَت تنديداً عالمياً، ويتلقّون الدعم المالي من الخارج، وقد بدأت حركتهم تلك بذريعة المطالبة بالحقوق الديمقراطية، لكنّهم حشدوا الجيوش ضد حكومة قانونية وكبّدوا الشعب خسائر كبيرة في ارواح واموال وتحوّلوا ان أكبر خطر وتهديد إرهابي في العالم"، معتبرا ان "أحداث السنوات اربعة اخيرة أثبَتت أنّ حكومة تلك الدولة لو لم تواجه الحركات ارهابية تلك ستولى ارهابيون على دولتهم وقسّموها ومتدّت تلك النار إلى الدول المجاورة أيضاً، ولتكرّرت الفجائع البشرية تلك. ولو صمود لبنان بحكومته، وجشه ومقاومته في وجه ارهاب ما أدّى إلى دفع ذلك الخطر عن المنطقة، فأيّ عواقب مؤسفة كانت ستلحق بلبنان؟".

وشدد السفير الإيراني على ان "ارهاب في العراق وسوريا أثبَت أنه يتحرّك بقسوة وبلا رحمة ضد البشرية وضد أتباع اديان كلّها من مسيحيين وإيزديين وآشوريين ومسلمين سُنّة وشيعة، وقد ملأ سجلّ تاريخه بالجرائم الفظيعة. لذلك من المدهش والمحيّر أنّنا في لبنان نرى تلك الوقائع بأعينِنا ثمّ يقوم البعض بتوجيه الانتقاد ولئك الذين تحرّكوا بشجاعة وبطولة ومنَعوا بدمائهم تمدّد ارهاب، علماً أنّه لولا هذه التضحات في مواجهة "داعش" وسائر ارهابيين من يدري ما كان سيعانيه الشعب اللبناني الشقيق وما كانت عليه ظروفه".

وأوضح ان "استراتيجية يران منذ انتصار الثورة هي التأكيد والتشديد على أولوية العلاقة مع دوَل المنطقة والتعاون مع كلّ الدوَل من أجل تحكيم السلام واستقرار ونشرهما في المنطقة. ذلك نّ هذه الظروف تعود بالنفع على جميع الدول، وتنمية أيّ بلد تقوم على استقرار المنطقة. لكن للأسف فإنّ البعض ينظر إلى المسائل من زاوية أخرى. وإنّ الرأي العام سيُصدر حكمَه على الدوَل والحكومات، ونعتقد أنّه يمكن، و ينبغي، التغاضي عن دور وفهم الرأي العام في تصريحاتنا وإبداء آرائنا".

وأضاف "إنّ امتلاك أسُس ومبانٍ مُحكَمَة ومَنطقية هو الذي يجعل المجتمع البشري يتقبّل أيّ نظرية أو يرفضها. لذلك نجد أنّ دستور ايران واستناداً إلى هذه النظرة العميقة قد أقرّ حقوق جميع اقليات الدينية والمذهبية رسميّاً ويحقّ لها ممارسة شعائرها المذهبية والعقائدية في حرّية ولها رأيُها في هيكلية اتّخاذ القرار السياسي، خصوصاً في السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولقد أثبتت ايران اليوم وبفخر أنّ مبانيَها الفكرية والنظرية تحت القادة الحكمة لسماحة الإمام الخامنئي قد حقّقت تطوّراً عظيماً، ليس في المجات المعنوية فقط، بل في المجات العلمية والتقنية أيضاً (في العلوم الطبّية والدواء والعلوم الفضائية واقمار اصطناعية وفي التقنية النووية وفي مجال تقنية النانو والعلوم العسكرية وامنية)، ما حازَ على اعتراف المجتمع العالمي".

من جهة أخرى، لفت إلى أنه "قبل ستة وثلاثين عاماً وفي مثل هذه ايام انتصرت الثورة اسلامية ايرانية على يد الشعب بقيادة امام الخميني. وتمسّكت منذ بداية انتصارها بالمباني الهية القائمة على أساس حرية انسان وعزّته والمساواة بين المجتمعات البشرية، وأعلنت استقلالها وعدم تبعيتها للقوى الكبرى، وطالبت باعتراف بهذه اسس في المجتمع العالمي رسمياً واحترامها . لكن بما أنّ سياسة الجمهورية هذه تنسجم مع سياسات التسلط للقوى الكبرى العالمية؛ لذا فإنّها منذ ايام اولى لبدء الثورة بدأت معارضتها وشنّ الحملات المختلفة على إيران، وسعت طوال 36 عاماً لدفع الشعب ايراني الى التخَلّي عن مطالبه وسعيه الى استقلال". وأوضح ان "تاريخ الثورة يشير الى أنّه رغم كلّ هذه الضغوط والاعتداءات فإنّ شعب إيران العظيم باعتماده على خالق البشَر وفي ظلّ القيادة الحكيمة للإمام الخميني وللإمام الخامنئي استمرّ في طريق المقاومة وحوّلَ التهديدات فرَصاً لتنمية إيران في المجات العلمية والتقنية المختلفة، وارتقى مكانةً ومنزلة عالمية وإقليمية سامية".

وأوضح ان "الدبلوماسية النووية ايرانية كانت تقوم دوماً على أساس الحوار وعلى أساس الندّية مع الدول الكبرى. وقد أجرَينا العام الماضي مفاوضات هي اكثر شفافية وصدقاً للوصول إلى الثقة المتبادلة في الموضوع النووي ايراني. ولم تكن المشاركة في هذه المفاوضات بسبَب التهديد والمقاطعة؛ بل كانت نابعة من إرادة الشعب ايراني، ذلك ننا نعتقد أنّ الحل الوحيد للموضوع النووي هو المفاوضات. ولقد أظهرت الحكومة ايرانية خلال العام الماضي ابتكارات في المفاوضات النووية، ما أوجَد فرصاً جديدة لحلّ الموضوع، وكان نتاجها المرحلي اتفاق جنيف. وإذا أبدت جهات المفاوضات اخرى عزماً ومرونة فسنوفّق خلال المهلة المحددة بالتوصّل الى حلّ كامل لهذه القضية".

واعتبر ان "الوصول الى اتفاق نووي شامل مع إيران يشكّل فرصة تاريخية للغرب يثبت فيها أنه ليس ضد تطوّر اخرين وتنميتهم و يمارس العنصرية في تنفيذ القرارات الدولية. هذا اتفاق يمكنه أن يحمل رسالة عالمية للأمن والسلام أيضًا، وهي أنّ طريق حلّ الخلافات هو التفاوض وليس النزاع والمقاطعة"، لافتا إلى ان "مسار المفاوضات النووية في اشهر الماضية شهد أملاً وجدّية متبادلة. وإنّ أيّ تأخير في حصول اتفاق النهائي سيزيد من اضرار التي لن تكون علينا وحدنا؛ بل ستترك أثرها السلبي على إقتصاد سائر الشعوب وتجارتها، وتلقي بظلالها على الأمن والتنمية اقليمية".

وأمل "أن تصل المفاوضات الحالية إلى اتفاق نهائي إذا توافرَت الإرادة الصادقة لد الفريق الآخر. وإنّنا مصمّمون على استمرار في برنامجنا النوَوي السلمي والذي يضمن حقّنا في التخصيب داخل إيران، إضافةً إلى سائر حقوقنا النووية ضمن إطار القوانين الدولية".