خلال أيام قليلة، قد تكون المنطقة على موعد مع تطورات مهمة جداً، بعد أن وجدت الولايات المتحدة الأميركية ضالتها في المقاتلين ​الأكراد​، الذين تستفيد منهم إلى أقصى الحدود من أجل تحقيق مصالحها الإستراتيجية، بعد أن لاحظت أن التعامل معهم أفضل من التعامل مع بعض الفصائل والكتائب السورية المعارضة.

"العقبة" الكبيرة، التي كانت تعرقل مثل هذا التعاون، كان من المفترض أن تكون في الموقف التركي من القضية الكردية، لا سيما في ظل الخلافات التاريخية بين الجانبين، إلا أن مؤشرات بدأت تظهر على الساحة توحي بوجود صفقة كبرى يتم الإعداد لها برعاية واشنطن، وهي تتمثل بإقناع الجهتين بأن مصلحتهما تفرض التعاون في هذه المرحلة، خصوصاً أن حزب "العدالة والتنمية"، الحاكم في أنقرة، أصبح بحاجة إلى الأصوات الكردية في البرلمان، بعد تنامي نفوذ القوى المعارضة له.

تركيا لم تعد "عقبة"!

لدى سؤال أحد أبرز مسؤولي حزب "الإتحاد الديمقراطي الكردي"، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني"، عن التطورات الأخيرة اللافتة والمرتبطة بالقضية الكردية في أكثر من دولة، يسارع إلى الجواب بطريقة ساخرة: "بتنا مدعومين من أكبر تحالف على الصعيد العالمي"، لكنه يعود إلى التأكيد بأن هناك أمراً مهماً من الممكن أن يحصل.

المسؤول الكردي، الذي حاول التحدث، لـ"النشرة"، بواقعية كبيرة، يجد بأن هناك فرصة تاريخية من أجل التعاون مع الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، التي لا تملك أي قوة برية في المنطقة يمكن الرهان عليها، ويشير إلى أن مقاتلي "العمال الكردستاني" و"الإتحاد الديمقراطي" أثبتوا فعاليتهم في كل الساحات، فهم مدربون جيداً وخاضوا المعارك على مدى سنوات طويلة.

في الوقت عينه، إستفاد الأكراد كثيراً من التعاون مع واشنطن، على الأقل على صعيد الضربات الجوية، التي نفذتها طائرات التحالف الدولي في كل من سوريا و​العراق​، والتي ساهمت إلى حد بعيد في مساعدتهم على مواجهة قوات تنظيم "داعش" الإرهابي، لا بل هم الآن ذهبوا أكثر من ذلك من خلال التقدم والسيطرة على مناطق كانت بيد عناصر التنظيم.

تركيا، "العدوة" الأولى بالنسبة إلى الأكراد تاريخياً والحليفة لواشنطن ولحلف "الناتو"، كانت تنظر على مدى الأشهر السابقة بعين الريبة إلى هذا التعاون مع الأكراد، لكن بعض الأحداث أكدت أن هناك تحولاً ما يحصل بعيداً عن الأضواء، بدءاً من دخول قوات البشمركة العراقية إلى مدينة عين عرب السورية عبر الأراضي التركية، مروراً بحماية قوات حماية الشعب الكردي الجنود الأتراك خلال عملية نقل ضريح "سلمان شاه"، وصولاً إلى دعوة زعيم "العمال الكردستاني" مقاتلي الحزب إلى المشاركة في مؤتمر لنزع السلاح.

في هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة، لـ"النشرة"، أن ما يحصل يتم برعاية أميركية مباشرة، والهدف منه الإستفادة من الدورين التركي والكردي معاً، وتكشف عن بروز تيار في الولايات المتحدة يشجع على حصول تسوية تاريخية بين الجانبين بأسرع وقت ممكن، نظراً إلى أن هناك مصلحة أميركية في هذا الأمر، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتم من خلال فصل الساحات الكردية عن بعضها البعض.

من وجهة نظر هذه المصادر، البداية يجب أن تكون من أنقرة، من خلال عقد مصالحة مع حزب "العمال الكردستاني"، بدأت معالمها بالظهور تباعاً، وتشير إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحاجة إلى هذه الصفقة، على أبواب الإنتخابات البرلمانية المنتظرة، بسبب رغبته بإجراء تعديل دستوري بعد الإنتخابات يحول النظام السياسي البرلماني الحالي إلى رئاسي، وهنا يستطيع الإستفادة من أصوات الأحزاب الكردية في البرلمان التركي، التي من المتوقع أن يرتفع عددها.

المسؤول البارز في حزب "الإتحاد الديمقراطي"، يؤكد أهمية معالجة الشق التركي من القضية الكردية، لكنه يوضح أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم بسهولة، لأن الجميع بات يعلم بأن التسوية لا يمكن أن تحصل إلا من خلال إتفاق تاريخي يعترف بحقوق الشعب الكردي، وهو أيضاً، كما حال رغبة أردوغان، يحتاج إلى تعديل دستوري، ويلفت إلى أن دعوة أوجلان التي وجهها إلى مقاتلي الحزب تتطلب قبل ذلك تنفيذ عشرة نقاط، الإعتراف بالحقوق أمر أساسي فيها.

بالنسبة إلى المسؤول الكردي، ليس أمام تركيا إلا المبادرة على هذا الصعيد، لا سيما أنها تعاني من أزمة سياسية كبيرة على صعيد علاقاتها الخارجية، بالإضافة إلى تنامي نفوذ أحزاب المعارضة بوجه "العدالة والتنمية"، وبالتالي هو متفائل بالتطورات المستقبلية التي قد تفضي أيضاً إلى الإفراج عن أوجلان.

لسنا عبيداً ولا ورقة أميركية

يعتبر الكثير من المراقبين أن الأكراد باتوا الآن ورقة أميركية تستخدم على نطاق واسع في المنطقة، ويرون فيها خطراً على وحدة دول المنطقة، خصوصاً العراق وسوريا، لا سيما أن الحديث عن مشاريع التقسيم التي يعمل عليها لم يعد سراً.

وفي هذا الإطار، يكشف المسؤول الكردي أن المؤتمر، الذي سيبحث في دعوة زعيم حزب "العمال الكردستاني"، من المتوقع أن يعقد ما بين نهاية الشهر الحالي وبداية الشهر المقبل، ويرى أن الخطوات المنتظرة مستقبلاً من الجانب التركي سيكون لها تداعيات على بنية الجمهورية.

ويرفض هذا المسؤول بشكل قاطع الحديث عن ورقة أميركية أو غربية، ويقول: "لسنا عبيداً ولن نكون إلا أحراراً في سبيل الدفاع عن قضية شعبنا المحقة"، ويضيف: "نحن منذ أكثر من 10 سنوات ندعو إلى إسقاط النظام السوري، ونملك قرارنا المستقل النابع من إستقلالنا السياسي والمادي"، ويشير إلى أن الأكراد لو أرادوا كانوا يستطيعون أن يكونوا ورقة بيد قطر أو السعودية، منذ بداية الأزمة السورية، لكنهم رفضوا ذلك، واليوم هم أقوى من أكثر وقت مضى عسكرياَ ومالياً وأكثر تماسكاً، وبالتالي لن يتحولوا إلى ورقة.

إنطلاقاً من هذا الرفض، يفضل المسؤول الكردي الحديث عن تقاطع مصالح، يؤكد فيه هو الإتفاق على إسقاط النظام السوري، ويرفض الإتهامات التي كانت قوى المعارضة توجهها إلى حزب "الإتحاد" بالتنسيق مع الحكومة، ويعتبر أن أنقرة كانت وراء هذه الأكاذيب، ويشير إلى أن قوات حماية الشعب الكردي طردت القوات السورية من مناطقها، في شهر تموز من العام 2012، على عكس ما حاولت وسائل الإعلام التركية القول بأن الحكومة سلمتها لها.

بالنسبة إلى القضية السورية، يلخص الأهداف بالمطالبة بسوريا ديمقراطية علمانية، على أن يتم القبول بما يطرحه الجانب الكردي لحل قضيته ضمن الحدود الرسمية.

مصالح أميركية في التسوية

السعي الأميركي إلى دفع الجانبين التركي والكردي إلى المصالحة لا يأتي من العدم، فالولايات المتحدة هي القوة العظمى التي تبحث دائماً عن تحقيق مصالحها الإستراتيجية، ولو لم يكن لها أهداف من هذه العملية ما كانت لتبذل الجهود لتحقيقها.

من خلال ذلك، ترى المصادر المطلعة بالإضافة إلى المكاسب على الصعيدين التركي والكردي، أن هناك مكاسب من الممكن أن تستفيد منها أنقرة على صعيد أوراقها الإقليمية بعد الإنتكاسات التي تعرضت لها، من خلال دعم الأكراد في سوريا والعراق، لا سيما في ظل خلافاتها مع أغلب دول المنطقة، وخسارة ما حققتها سياسة "صفر مشاكل" مع دول الجوار.

وتؤكد هذه المصادر أن واشنطن ترى في الأكراد في هذه المرحلة حليفاً إستراتيجياً لا يمكن الإستغناء عنه، تؤمن من خلاله القوات البرية لحروبها التي تحول دون إستخدام قواتها الخاصة، بالإضافة إلى أنهم قد يشكلون الورقة الأنجح على صعيد مشروع التقسيم في المنطقة، أو على الأقل من الممكن إستغلالها لاحقاً في الضغط على الحكومة المركزية في أكثر من دولة.

الهدف الأهم الذي قد لا يتنبه له الكثيرون، من وجهة نظر المصادر المطلعة، أن الولايات المتحدة قد تستفيد من هذه الورقة بالضغط على الساحة الإيرانية أيضاً، والتلميحات بدأت تظهر على الواجهة، وحكماً التهدئة على مختلف الساحات ستكون مفيدة على هذا الصعيد، خصوصاً أن بعض المسؤولين الأكراد يعتبرون أن المصالحة مع الحكومة الإيرانية أصعب من المصالحة مع تركيا بسبب نظام ولاية الفقيه، مع العلم أن الحزب الفاعل في تلك المنطقة هو "الحياة الحرة" غير البعيد عن توجهات أوغلو عبداللطيف أوجلان الفكرية أيضاً.

في المحصلة، ربما يكون ما يحصل هو حقاً مجرد تقاطع مصالح، كما يقول المسؤول في حزب "الإتحاد الديمقراطي"، لكن حكماً الولايات المتحدة لم تجد قوة قادرة على تحقيق مصالحها في المنطقة أكثر من فصائل حزب "العمال الكردستاني" المتنوعة في سوريا والعراق وإيران، ولكن هل تنجح التسوية مع تركيا أم تصطدم بعقبات جديدة؟