تنوح «إسرائيل» وتتباكى خوفاً، بل تخوّفاً، من امتلاك إيران قنبلة نووية. تدّعي أن إيران «النووية» تنوي محوها من الوجود. باراك أوباما لم يصدّق مزاعمها، لذلك تابع مفاوضاته مع إيران متعهداً عدم تمكينها من امتلاك سلاح نووي.

بنيامين نتنياهو تظاهر بعدم اطمئنانه لتعهد أوباما، فتواطأ مع زعماء الحزب الجمهوري المعارض على دعوته لمخاطبة الكونغرس بغية إقناع أعضائه بضرورة توقف الولايات المتحدة عن مفاوضة إيران والمسارعة إلى تشديد العقوبات عليها.

هل تخشى «إسرائيل» فعلاً امتلاك إيران قنبلة نووية؟

الجواب: كلا. «إسرائيل» لا تخشى إيران «نووية» لأن لديها أكثر من 200 رأس نووي الأمر الذي يُضطر إيران إلى التفكير ألف مرة قبل الشروع في استعمال سلاح مماثل ضدها. فالسلاح النووي لم يُستعمل أبداً بعدما ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على كلٍّ من مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين أواخر الحرب العالمية الثانية عام 1945. السبب الرئيس للإحجام عن استعمال السلاح النووي تسليمُ الدول التي تمتلكه بأن كلاًّ منها سيتضرر كثيراً جرّاء استعماله.

إلى ذلك، ثمة سبب آخر يردع إيران عن امتلاك سلاح نووي. إنه الخوف من مسارعة «إسرائيل» إلى استعماله ضدها بدعوى استباق ضربة نووية إيرانية قيد الإطلاق.

الحقيقة أن تخوّف «إسرائيل» من إيران «نووية» ذريعةٌ لابتزاز الولايات المتحدة على جميع المستويات لأغراض مالية وعسكرية وسياسية. فهي تمارس من الضغوط السياسية والدبلوماسية والإعلامية ما يحمل واشنطن على شراء سكوتها أو، في الأقل، التخفيف منها بمنحها المزيد من المساعدات بمليارات الدولارات. وهي تتذرّع بخوفها من إيران «نووية» لحمل واشنطن على طمأنتها بمنحها أسلحة ثقيلة متطورة تضمن تفوقها العسكري والتكنولوجي على مجمل الدول العربية. ألم توقع معها قبل أيام صفقة لتزويدها 14 طائرة مقاتلة إضافية من طراز «أف 35» بقيمة 2,8 مليار دولار؟ وهي تستثمر سياسياً مزاعمها حول هلع «الإسرائيليين» وشروعهم بالهجرة من أجل حمل الولايات المتحدة على السكوت عن توسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية كما على امتناع نتنياهو عن تقديم تنازلات محدودة لإقناع الفلسطينيين بالعودة إلى المفاوضات. ألم تعلن منظمة «السلام الآن» «الإسرائيلية» أن حكومة نتنياهو حرصت على إجراء عدد قياسي من عطاءات مناقصات البناء الاستيطاني في الآونة الأخيرة؟ ألم تسكت واشنطن في الواقع عن توسيع رقعة الاستيطان، راضخةً بذلك لابتزاز تل أبيب؟

إن إذعان الولايات المتحدة لابتزاز «إسرائيل» يحمل المرء على الاعتقاد بأنها ربما تكون متواطئة مع حكومة نتنياهو على اعتماد هذا النهج الملتوي لتبرير انحيازها ومضاعفة دعمها للكيان الصهيوني، سياسياً وعسكرياً ومالياً.

لكن، ماذا لو أخفقت الولايات المتحدة في التوصل إلى تسوية مع إيران في شأن برنامجها النووي أو أنها تقصّدت ذلك أصلاً؟

ثمة ثلاثة تداعيات ذات دلالات لافتة سوف تنشأ عن ذلك:

أولها، أن أوباما وحزبه الديمقراطي سيتضرران كثيراً من ذلك الإخفاق أو التواطؤ وسينعكس ذلك سلباً على الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة المقبلة كما في انتخابات الكونغرس، فيحتلّ الجمهوريون البيت الأبيض كما تلّة الكابيتول.

ثانيها، إن عدم التوصل إلى تسوية «نووية» مع إيران سيحمل إدارة أوباما والإدارة الجمهورية التي ستخلفها على تشديد العقوبات على طهران الأمر الذي سيعزز نفوذ «إسرائيل» ويضاعف غطرستها من جهة كما سيصب الزيت على نار الصراعات الإقليمية ويزيدها احتداماً من جهة أخرى.

ثالثها، إن الولايات المتحدة تكون قد «خسرت» كلّ ما قدّمته لـ«إسرائيل» من أموال وطائرات لشراء سكوتها عن تسوية مفترضة مع إيران، بل تكون قد خسرت ما تبقّى لها من صدقية وهيبة لدى العرب، حكومات وجماهير، وأفسحت في المجال أمام محور المقاومة إيران وسورية وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين لتعزيز وجوده وفعاليته.

أما إذا أفلحت الولايات المتحدة في التوصل إلى تسوية «نووية» مع إيران، فإن سؤالاً ملحاحاً ينهض في الحال: هل تتعاون واشنطن وطهران وحلفاؤهما أيضاً في مواجهة مشتركة للإرهاب، أم تراها تتحالف مع بعض تنظيمات الإرهاب لتصفية حسابات عالقة مع قوى المقاومة العربية على امتداد الوطن الكبير؟