أجدُ نفسي في اللاوعي الباطني أتبنى واحدة من تلك الصرخات “الكليشيه” التي غالبًا ما تديران أذنيكما لها. أجدني غارقًا في صيغة المخاطب التي أكره. سطحيًا أكرّر ما سبقني اليه الكثيرون من مخضرَمي جيل يسبق أبناء جيلي. أجدُني هازئًا بنفسي كهزئي بعشّاق الكتب المفتوحة والرسائل الرسميّة والخطابات الوعظية. اليوم أنا منهم. أقع وقعتَهم. أتوجّه الى حضرتكما بمثل هذا الكلام “الساقط” أدبيًا ومعنويًا ولغويًا وأخلاقيًا. الفارغ من كلّ شيء إلا من “عِدّيات” أبناء الثمانين والتسعين. كلامٌ كهلٌ يليق بأحلام كُهَّل، كتلك التي فرّغها زمانٌ - أنتما فيه- من شذرات يَفَعها. كلامٌ يحاول الهروب من اللحظويّة عبثًا. كلامٌ يحاول احترام تجربته الاختماريّة بتلافي سقطات الأنا والأنت عبثًا.

اليوم وقد نفدت كلّ الأساليب معكما واستحالت ترّهاتٍ نمطية في زمن الترّهات الفكريّة، ما عاد أمام “الأنا” إلا أن تتحرّك كتابيًا لتخاطب شيبكما الذي من المفترض أن يخجل ولكنه لا يفعل. لا نفهم طينته.

أنتما بطلا سطوري كما سطور الكثيرين. بطلا سطوري بلا ألقاب. بطلا كلماتٍ لا تختبئ في زهرة خوفًا من الفِكر والفُكَر. فيوم ولدتك أمّك يا ميشال لم تكن عمادًا ويوم ولدتك أمُّك يا سمير لم تكن حكيمًا. لا حاجة الى الألقاب طالما أنني أخاطبكما باسم الهوية لا باسم المارونية التي سلّعتماها، ولا باسم التراب الذي غدا شعرًا تسطيحيًا، ولا باسم التمثيل البرلماني الذي غدا تمثيلاً، ولا باسم التاريخ الذي بفضلكما لا كتاب يحفظه اليوم، ولا باسم زمن آلامكما الموحّد الذي لطالما كان مفتوحًا لكلّ السيناريوهات إلا القيامة.

أخاطبكما باسم نعيم وفريد. باسم من أنجباكما ولم يخطئا. باسم من جعلاكما تدمعان بلا أثمان. ألا تنظران الى صورتيهما المعلقتين على جدرانكما وتتأسفان، وتعتذران، وتستلهمان من لا يكذب عليكما، من لا يهمه مصالحكما بل مصلحتكما. ألا تستنجدان بهما قبل أن تغفوا على وسادتيكما. ألا تقرآن ما تقولانه على الملأ على مسامعهما الجامدة. إفعلا ذلك، قد ترتاحان وتريحان. اتلوَا عليهما ما ستتفوّهان به لبعضكما في حواركما المنتظر إن عُقِد.

بالله عليكما، ماذا بقي من عمرك يا حضرة العماد الثمانيني الذي عاد من منفاه الباريسي الى منفاه اللبناني؟ وماذا بقي لك يا حضرة الحكيم الأيفع الذي خرج من سجن تحت الأرض الى سجن فوقها؟ ماذا تبيعاننا: اتفاقكما؟ ألا تضجران من لعبتكما؟ ألا تعرفان معنى الضجر في حياتكما؟ عودا الى قاموس المعاني فهو يفسّره على أنه: الضَّيْقُ ، الْمَلَلُ ، السَّأَمُ. ربما أغفل “القرف”.

أقنعتني تلك المربية والسيدة المثقفة في رسالةٍ قصيرة. قالت لي: 50 ألف حمار إذا انتخبوا يفوز ممثلٌ عن الشعب وسقراط لا يستطيع ذلك. لكنه يبقى سقراط. حذارِ يقظة هؤلاء الـ50 ألفاً أيها السيدان البارّان. حذارِ زوال مازوشيّة أولئك الخمسين ألفًا الذين يعشقونكما رغم أنكما تعذبانهم. حذارِ زوال مازوشيّتهم.

أنا لبناني منذ أكثر من عشر سنوات. ماروني منذ أكثر من عشر سنوات. يحق لي الانتخاب منذ أكثر من عشر سنوات. والداي لبنانيان منذ أكثر من عشر سنوات. أعلن ولائي لكما أنتما الاثنين. تقاسماني. خذ يا عماد نصفي الأعلى ويا حكيم نصفي الأسفل أو العكس لا يهمّ. لا تحرصا على البدء من عينيّ نزولاً. لا تشعرا بالحرج، خذا رأسي وعقلي أيضًا. لا أحتاجهما. فأنا وكل لبناني، متى صدّقنا جدوى لقائكما، نغدو حكمًا من بين أولئك الـ50 ألفًا الذين ينتظرون استعادة نصفهم الأعلى... إلا إذا كنتما تظنان أن الجميع يفكرون بنصفهم الأسفل.

* سَقطة كتابيّة.