لن يخصص ممثلو "حزب الله" و"تيار المستقبل" على طاولة الحوار الكثير من الوقت لبحث موضوع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب. فاذا كان الطرفان التقيا مؤخرًا على وجوب اقرار آلية مماثلة الا أنّهما يختلفان على كل تفاصيلها من الألف حتى الياء، تفاصيل ليست بالحقيقة الا ملفات استراتيجية قررا وضعها وقبل الجلوس للحوار في أدراج الانتظار الطويل، ان لم يكن أدراج النسيان.

يختلف الطرفان حول نقطة الانطلاق لمواجهة الارهاب، الا وهي تحديد ماهية الطرف الارهابي. فبالنسبة لـ"تيار المستقبل" وقوى "14 آذار" نظام الرئيس السوري بشار الاسد إرهابي، كما ان عناصر "جبهة النصرة" بالنسبة للنائب وليد جنبلاط وكثيرين غيره ثوار. بالمقابل، لا يرى "حزب الله" وحلفاؤه امكانية لمواجهة الارهاب والعدو التكفيري المتمثل بالنسبة لهم بـ"داعش" و"جبهة النصرة"، الا بالتنسيق مع النظام السوري عدو الطرف اللبناني الآخر... فأي استراتيجية وأي خطة ولمواجهة أي طرف؟!

حتى ولو سلمنا جدلا أن الطرفين اتفقا على أن "داعش" هو الطرف الارهابي الواجب محاربته وأسقطا النظام السوري و"النصرة" من حساباتهما، الا أنّهما سيختلفان حول البند الأول في خطة المواجهة، اذ يصرّ "تيار المستقبل" على وجوب انسحاب عناصر "حزب الله" من سوريا وتحصين الحدود كخطوة أولية وأساسية تسقط برأيهم السبب الرئيسي لطرق الارهابين الأبواب اللبنانية وتنامي المجموعات الارهابية بشكل عام وخاصة في الداخل السوري، على ان تكون الخطوة اللاحقة تصدي الجيش لأي هجوم محتمل على الحدود واذا لم يكن قادرا على القيام بذلك وحده، قد يقبل "المستقبليون" بالنقاش بدور "حزب الله" في هذه المعركة.

وفي الطرف المقابل، الاستراتيجية مختلفة كليا اذا لم نقل انّها تناقض استراتيجية قوى "14 آذار" بالكامل. فـ"حزب الله" قرر التوجه الى سوريا وهو يصر على البقاء هناك باعتبار أن في ذلك مصلحة استراتيجية لبنانية من خلال محاربة الارهابيين في أرض مشتعلة أصلا، وهو ما أشار اليه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أكثر من مرة، وآخرها في اطلالته في ذكرى "القادة الشهداء" حين حثّ اللبنانيين الذين يريدون مواجهة الارهاب لملاقاة "حزب الله" في سوريا.

وبالتزامن مع قتال عناصره في سوريا، يقف الحزب على اهبة الاستعداد وبالتحديد في المنطقة الحدودية اللبنانية لصد أي هجمات محتملة كتلك التي نفذها المسلحون على مراكزه في منطقة بريتال في شهر تشرين الأول الماضي، وبالتالي يرفض "حزب الله" رفضا قاطعا النقاش بدوره في هذه المعركة التي يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ منها.

اذا يختلف الطرفان على كل بنود الخطة ولكنهما يتفقان على وجوب التحضر لخوض المعركة التي يعتبرون أنّها آتية لا محال، فالربيع برأيهما سيكون ساخنا والأرجح أن المواجهات سيتولاها الجيش المتمركز في الصفوف الامامية على أن يقف عناصر الحزب في الصفوف الخلفيّة لنكون مجددا باطار تنسيق غير رسمي ومعلن بين قيادتي ​الجيش اللبناني​ والحزب. وتقول مصادر معنية بالمعركة المقبلة: "لقد اتخذ حزب الله قرارا بحسم الامور على الجبهة الشرقية، فهو لم يعد يستطيع أن يرابض هناك الى الابد خصوصًا وانّه مشغول بجبهات اكبر وأوسع داخل سوريا وعلى الحدود الجنوبية"، لافتة الى ان "الوضع شرقا أنهكه خلال الأشهر الماضية نظرا لطبيعة المنطقة القاسية ومناخها الحاد بالاضافة الى أن عنصر المفاجأة والمباغت يبقى الحاضر الأبرز في كل لحظة".

وما تقوله القواعد الشعبية للأحزاب الرئيسية المعارضة لـ"حزب الله" بالغرف المغلقة تقوله كذلك بعض قياداتها، فهي تصبح يوما بعد يوم على قناعة بأن النار كانت لتلتهم لبنان لولا دخول "حزب الله" الى سوريا لمنع وصولها الى الاراضي اللبنانية، فيما تتمسك قيادات أخرى بموقفها لجهة ان كل اللبنانيين كانوا ليقفوا صفا واحدا الى جانب "حزب الله" لو رابض على الحدود الشرقية بكل قواه لمواجهة الارهابيين من دون اتخاذ قرار المشاركة الفعلية بالحرب السورية.

بالمحصّلة، وبغض النظر عن المواقف السياسية المعلنة وما قد ينتج عن طاولة حوار "المستقبل" و"حزب الله"، تستعد الاجهزة الأمنية الخاضعة لسلطة الدولة وأجهزة حزب الله ل​معركة الربيع​ دون الاعتماد على أي استراتيجية رسمية يتعذر التوافق عليها، او حتى على سلاح نوعي قد لا يصل قبل المعركة أو بعدها، مع تشديد مصادر عسكرية معنية على ان الطرف الوحيد الذي يساند حقيقة الدولة في حربها على الارهاب وفي المواجهات شرقي البلاد هي الولايات المتحدة الأميركية.