طرد الاشوريين من ارضهم وخطفهم وقتلهم طرح مخاوف كثيرة لدى المسيحيين اللبنانيين من انتقال العدوى المخيفة اليهم ومن تسلل الارهاب لاستهدافهم خصوصاً انهم آخر المسيحيين في الشرق بعدما تحولت المناطق اللبنانية الى ملجأ للهاربين من غزوة السيف القاتل، والسؤال اذا صحت المخاوف كيف سيواجه المسيحيون الخطر التكفيري وهل بات لديهم خطة واضحة لمحاربة «داعش» و«النصرة»، هل يملك المسيحون السلاح الذي يملكه الآخرون في الوطن وذلك الذي في حوزة الخصم الارهابي الزاحف الى مناطقهم، وماذا لو لم يتمكن المسيحيون من الدفاع عن ارضهم فيما لو استطاع المسلحون التكفيريون احداث اختراق في احدى الجبهات او على احد المحاور القتالية فغزوة رأس بعلبك والمحاولات المتكررة تستهدف القرى والبلدات المسيحية المتاخمة للجرود... هل سيكون مصير المسيحيين وهم يسمعون ترداد معزوفة الشرق بدون مسيحييه شبيهاً بمصير مسيحيي سوريا والعراق، وبالتالي هل من تشابه او ان هناك اختلافاً جوهرياً ما بين مسيحيي لبنان واخوانهم في المناطق المهجرة؟...

تلك تكاد تكون عينة من تساؤلات تدور في الحلقات المسيحية الضيقة تحسباً للمرحلة القادمة ولأي خطر او انفلاش امني قد يحصل في المناطق المصنفة ساخنة. وحيث يبدو ان المسيحيين يتوزعون بين فريقين في مقارنة ومقاربة الحالة «الداعشية» المتسللة الى العمق اللبناني، فثمة من يرى من المسيحيين ان «ما هو مكتوب للمسيحيين سيبقى مكتوباً ولا يمكن تغيير اي فاصلة في المخطط الذي رسم لمنطقة الشرق الاوسط او للشرق الاوسط الجديد، وثمة من يرى من المسيحيين ان التاريخ يعيد نفسه وان المسيحيين رواد المقاومة يخضعون لاختبار جديد هو اختبار داعش ومشتقاتها، ولكن تماماً كما في الحرب اللبنانية استطاع المسيحيون ان يحافظوا على وجودهم وتجذرهم في لبنان ويسقطوا كل المخططات والسيناريوهات».

وما بين بين وجهتي النظر المختلفتين فان الحقيقة الثابتة والوحيدة وهي ان المسيحيين في لبنان لم يعودوا على الحياد بل اصبحوا في قلب المعركة ويكادون يصبحون ربما وجهاً لوجه مع الارهاب في مرحلة لاحقة، وبعد تكرار الهجوم على عرسال وراس بعلبك وبعد التفجيرات الانتحارية التي ضربت العمق اللبناني من الضاحية الى الشمال وحرب العبوات الناسفة على الجيش اللبناني بات واضحاً وبما لا يقبل الشك فيه ان لبنان صار في قلب العاصفة الارهابية. ولكن هل يقف المسيحيون على الحياد بانتظار ان يصل سكين «داعش» و«النصرة» الى رقابهم وهو الذي تجرأ على العسكريين المخطوفين ويهدد مصير الآخرين المحتجزين لديه؟

لا يبدو ان المسيحيين كما توحي اجواؤهم بوارد التسليم بامرهم للمجموعات التكفيرية خصوصاً عندما يكون المسيحيون مهددين بانتمائهم الديني وهويتهم فلا احد حينها يمنعهم عن الدفاع عن انفسهم . تلك هي وقائع الحوارات المسيحية الداخلية، حيث ان المسيحيين بسلاح او بدونه مستعدون لمعركة الارهاب حين تدنو ساعة الصفر على توقيت الارهابيين. ان الوحدة المسيحية ضرورية في هذه الظروف الصعبة، فما يمر به لبنان يختلف عن حروبه الماضية، فهي ليست حرب السنتين ولا حرب الإلغاء، بل حرب الوجود المسيحي في الشرق، وفي وجود هذا الخطر على الكيان والمصير يجب ان يلتف المسيحون حول بعضهم لمواجهة الخطر التكفيري للوصول الى مشروع موحد واهداف واحدة، وبالتالي يجب وضع كل الامكانيات في تصرف الجيش والمؤسسة العسكرية والقوى الامنية.

حالياً لا يملك المسيحيون السلاح المناسب لقتال «داعش»، جل ما يحملونه بندقيات حربية استحصلوا عليها من مالهم الفردي او من خلال بعض الاحزاب اللبنانية لاستعمالها دفاعاً عن النفس خصوصاً في المناطق البقاعية التي يمكن ان تكون مسرحاً لتسلل «داعش» اليها، في رأس بعلبك وكفرزبد وغيرها .هذا السلاح الفردي مدعوماً بقوة الجيش وتعزيزاته وتحصيناته وبوجود حزب الله في التلال والجرود المتاخمة يبدو كافياً في المرحلة الحالية، لأن الجيش وحزب الله كفيلان بردع مسلحي «داعش» في المرحلة الراهنة خصوصاً بعد الهجوم الشجاع لقوى الجيش الذي جرى فيه احتلال تلال استراتيجية كانت تتحصن بها المجموعات المسلحة تحضيراً لمعركة الربيع بعد ذوبان الثلوج.

لكن هل من خطر فعلي على المسيحيين على غرار ما حصل للاشوريين مؤخراً وفي تكرار لسيناريو الإيزيديين والمسيحيين في العراق؟ تؤكد اوساط شاركت في الحرب اللبنانية وضليعة بالمعارك الميدانية، ان الوضع خطير من دون شك في وجود اربعة آلاف مسلح يسعون لاختراق الحدود اللبنانية بعد معركة القلمون ولتأمين إمارة لهم في الربوع اللبنانية، وفي ضوء المعادلة المطروحة لشرق من دون مسيحييه، ولكن الوضع اللبناني يختلف كلياً عن العراقي او السوري، فلا وجود لبيئة حاضنة للارهابيين في المجتمع اللبناني بعد انطلاق الحوار بين المستقبل وحزب الله وقطعه اشواطاً كثيرة ولا يوجد مجموعات تؤمن لهم المساعدات اللوجستية، ففي بعض المناطق يمكن ان يسجل الارهابيون انتصارات ولكن ليس على المدى الطويل ففي لبنان سيتعلمون درساً قاسياً لان الدولة اللبنانية قوية والجيش متماسك مع قيادته واثيت انه قادر على ردع الارهابيين ومنعهم من التسلل وافشال مخططاتهم بعكس الجيوش العظمى في المنطقة التي سقطت بسرعة امام بطش داعش في مؤامرة واضحة المعالم، ولبنان «رمال متحركة» من يطأ ارضه يغرق في وحوله.

ولكن ذلك لا يعني ان خطر داعش غير واقعي وان القرى والبلدات المسيحية بمنأى عن الارهاب على حدّ قول الاوساط، او انه يجب التقليل من شأن الخطر الذي يتهدد المسيحيين، فهذه الحرب المفترضة في المنطقة والتي وصلت تهديداتها الى الغرب لا تشبه الحروب الاخرى والمقاومة المسيحية التي كانت تملك 700 الف صاروخ لا تملك اليوم خرطوش للصيد، من هنا يجب وضع كل الفرضيات والسيناريوهات التي قد تنشأ في اي وقت.