ثمة أسئلة كثيرة تُطرح: هل حقاً يريد "التحالف الدولي" القضاء على الإرهاب في المنطقة، والمعشعش في سورية والعراق، امتداداً حتى مصر وليبيا والصومال واليمن، والذي يحاول أن يعزز مخالبه في شمالي أفريقيا، وتحديداً في المغرب العربي؟

واضح أن الهدف الأميركي من "الحرب" على الإرهاب له عدة سيناريوهات.

الأول: استمرار هذا الإرهاب ليعيث فساداً وقتلاً وتفجيراً وتدميراً لكل مقومات الدول العميقة، خصوصاً في سورية والعراق ومصر، ومن هنا قد نفهم سرّ التدمير المنظّم والدائم لكل المقامات والمزارات والأضرحة والآثارات العريقة التي يعود كثير منها إلى أكثر من سبعة آلاف سنة، بالإضافة طبعاً إلى نسف كل مقومات أسس الدولة الحديثة، بتفكيك جيوشها، وتدمير بناها التحتية والفوقية ومؤسساتها.

ثانياً: توظيف أي نجاح محتمَل في الحرب على الإرهاب في وجه موسكو وطهران، بما يعني امتلاك واشنطن أوراق قوة جديدة توظِّفها في ملفات التفاوض مع إيران في الملف النووي، ومع موسكو في مسألة أوكرانيا، وما قد يُخلق بعدها من مشاكل لروسيا في دول أخرى من الاتحاد السوفياتي السابق..

ثالثاً: تضع واشنطن في حساباتها تلقّي الإرهاب ضربات موجعة وكبيرة، خصوصاً في سورية والعراق، على نحو ما يترجم اليوم في الجنوب والشمال السوري، وفي معارك صلاح الدين والأنبار في العراق، وبالتالي فإن واشنطن ستوظف هذه الهزائم والتراجعات في حساب حلفائها من خليجيين وأتراك، كخسائر، ما يعني أن عليهم المزيد من الخضوع للأميركي.

هذه الاهداف بدأت تتبلور عند حلفاء الولايات المتحدة على مستويين:

1- أوروبياً: هناك انقسام حاد في القارة العجوز جراء الاستمرار في دعم الإرهاب وتمويله ومده بالعناصر والعتاد، بحيث تشير المعلومات المتوافرة إلى أن هناك أكثر من 110 آلاف مقاتل أجنبي بين بلاد الأمويين وبلاد العباسيين يخوضون حرباً كونية ضد البلدين، في وقت بدأ آلاف الإرهابيين يتسللون إلى أرض الكنانة، وأخذوا يقومون مع امتداداتهم المصرية بأعمال إرهابية واسعة.

معظم دول أوروبا باتت تناهض هذه المشروع الإرهابي المدعوم أميركياً و"إسرائيلياً"، والمموَّل خليجياً، وأخذت تنفتح بشكل واسع على دمشق وطهران وحزب الله، وبالتالي صار قسم واسع من أوروبا مع إيران والوصول إلى تفاهمات نووية معها، ومع دمشق والتحالف معها ضد الإرهاب، لكن الخوف الكبير يبقى عند باريس ولندن ألا يحصلا حتى على الفتات، ولهذا تذهبان في المزايدة في العداء لدمشق ولطهران، لعل حصتهما تكبر، مع العلم أن رأياً عاماً واسعاً بدأ يتكوّن في فرنسا وبريطانيا ضد سلوك حكومتيهما.

2- على المستوى الإقليمي: تصدّرت السعودية المشهد، واتجهت محاولة خلق محور جديد ضاغط، قوامه الرياض - أنقرة و"الإخوان"، عبر عودة قطر إلى بيت الطاعة السعودي، ولو نسبياً، وبهذا تجلّت زيارة رجب طيب أردوغان إلى العاصمة السعودية، وقد حاولت مملكة الرمال أن تستميل مصر إلى هذا المحور، وهي التي تذوقت منه مرارة الإرهاب المتصاعد، فاستبق السيسي زيارته السعودية بأحكام قاسية على قيادات "الإخوان"، والإعلان عن إجراءات قضائية تتهم أنقرة والدوحة بالإرهاب.

واللافت أنه منذ أسابيع يتبلور محور إقليمي؛ من السعودية إلى تركيا مروراً بتل أبيب، يتركز على إعادة تعويم "الإخوان" في منطقة الشرق الأوسط وصولاً إلى تونس، ودعم صعودهم في وجه سورية وإيران والعراق، أي محور المقاومة، إضافة إلى السيسي، الذي قُدمت إليه إغراءات خيالية لكي ينخرط في لعبة قتل قابيل لهابيل، وكان رده واضحاً: "كلنا في مركب واحد.. وسنغرق جميعاً".. ولهذا بدأت التهديدات السعودية - التركية - "الإخوانية" - الأميركية ضد مصر بتصعيد الإرهاب، وثمة من يقول: إن حياة السيسي في خطر.

وفي وقت كانت الرياض وأنقرة تصعّدان ضد سورية والعراق، ارتفعت حملة سعودية واسعة ضد إيران، تناغماً مع الموقف "الإسرائيلي" الذي اندفع به بنيامين نتنياهو في واشنطن ليحرّض الكونغرس واللوبي الصهيوني ضد الاتفاقية النووية المحتملة، ولوضع باراك أوباما في الزاوية الضيقة، بالتلازم مع موقف جديد للرياض مخفّف من العداء السعودي لـ"الإخوان"، ويهدف عبر أردوغان لتحالف جديد يعيد "الإخوان" إلى ساحة الميدان، كبدائل محتملة لـ"داعش" و"النصرة" و"القاعدة"، وفي الخلاصة تقديم أوراق قوة لواشنطن؛ أنهم يستطيعون مع تل أبيب كسر شوكة المقاومة والممانعة، وما على واشنطن إلا عدم الاستسلام.

وهنا تلفت مصادر دبلوماسية غربية إلى أن بنيامين نتنياهو يقود الحملة العربية ضد الاتفاق النووي، ومن أجل استمرار الحرب المدمرة في سورية والعراق.. وتتساءل هذه المصادر: هل تستطيع أي دولة خليجية، وعلى رأسها السعودية، تحمُّل التبعات الكارثية لأي حرب واسعة؟

وتؤكد المصادر أن الاميركيين يدركون تماماً أن هذه الدول مجرد فقاعات، وأنهم يريدونها أن تحارب عنهم ومن أجلهم، في وقت يبدو أن الولايات المتحدة قد ترجلت عن حصان الحرب.

فهل يستمع الأعراب والخليجيون إلى نصائح دولية عديدة تلقوها تحذرهم من ثقافة الغرائز؟!