اللافت في اجتماع الوزراء الثمانية في منزل الرئيس سليمان، أنهم باتوا سبعة في الاجتماع الثاني بمنزل الرئيس الجميل، بعد أن صرّح الوزير ميشال فرعون بأنه حضر الاجتماع الأول كـ"مستقل"، وأنه مع توجّهات زملائه السبعة في ما يتعلق بآلية عمل الحكومة وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، لكن غيابه عن الاجتماع الثاني، كما قال، لأنه متحالف مع "تيار المستقبل"، تماماً كما صرّح وزير الإعلام رمزي جريج بأن "الكتائب" هي جزء من مكوّنات "14 آذار"، وأن الاجتماعات التشاورية لـ"مجموعة الثمانية" لا تعني أن "الكتائب" قد خرجت عن تحالفاتها.

الوزير بطرس حرب هو الوحيد بين الوزراء الثمانية المعني باستمرار آلية عمل الحكومة كما هو حاصل حالياً، لأن المسألة لديه شخصية إلى حد أنه أعلن موقفه المعارض من أي طرح يتقدّم به وزراء "التيار الوطني الحر"، بصرف النظر عن موضوع هذا الطرح، وإذا كان الوضع الحالي للوزراء الأربعة والعشرين أن كلاً منهم قادر على التعطيل وبات يملك سلطة رئيس الجمهورية، فهذا يناسب الوزير حرب في ممارسة كيدية مناطقية بترونية، لكن الوزراء الستة الآخرين "التابعين" للرئيس سليمان والرئيس الجميّل حكايتهم مرتبطة عضوياً بحكاية كل من الرئيسين السابقين مع تلك الكرسي القابعة في صقيع الفراغ ببعبدا، علماً أن "مجموعة الوزراء الثمانية" التي تشكّل ثلث مجلس الوزراء، وزن تمثيلها النيابي لا يتعدى 3.5% من المجلس الممدَّد له، ولن تستطيع فرض نفسها ككتلة وزارية لها وزنها التمثيلي والسياسي.

جيد أن يطالب رئيس سابق تم "تقطير" عملية انتخابه في قطر، بانتخاب رئيس من صناعة لبنانية، لكن بعد أن سقط التمديد له لبنانياً ما كان عليه أن يغربل الناس ويصنّفهم بين "خشب" و"ذهب"، لأن الوطن ليس بحاجة إلى مزيد من الشرذمة، والإرهاب يطرق أبوابه من الشرق، والعدوان متربص به في الجنوب.

وإذا كانت ظروف التمديد للرئيسيْن الهراوي ولحود لم تعد متوفرة، ولن تتوفر بعد اليوم، فإن الرحيل بشموخ هو أفضل لكل رئيس من الرحيل بحقد غير مبرَّر، وكل المحاولات لإيجاد حيثية سياسية غير مستندة إلى الحد الأدنى من الشعبية - حتى ضمن مسقط الرأس والجوار - ليست سوى "بروباغندا" باهتة لم يعد الشعب اللبناني معنياً بها، وسط المآسي والمخاطر التي يعيشها، وليس بقدرة المتشاورين في عمشيت مواجهتها.

وعلى سيرة المواجهة، وبمناسبة العمليات النوعية البطولية التي يقوم بها الجيش في جرود رأس بعلبك وعرسال، وحاجة هذا الجيش إلى مروحيات مزوَّدة بصواريخ جو - أرض، تخطفنا الذاكرة إلى مروحيات "البوما" الرومانية التي أُدخلت إلى لبنان في عهد الرئيس الجميّل على أنها فرنسية، وبانتظار أن تنتهي صفقة "البحص" الحالية في فرنسا مع صافي العمولات، فإننا لسنا بحاجة للعودة إلى تفاصيل صفقة البضاعة الرومانية "المفرنسة"، بل تلفتنا هذه "الشهية" المستدامة لدى الرئيس الجميل للعودة إلى الكرسي، والعرض الدائم لنفسه مع تنزيلات وتنازلات، وتاريخ من رمادية المواقف و"رجل في البور ورجل في الفلاحة"، وهذه ليست المواصفات المطلوبة لأي مرشح لكرسي بعبدا بعد الآن.

الأمور الدستورية تعالَج عبر دستوريين وأهل تشريع، وما ورد في المادة 65 من الدستور وملحقاتها من التشريعات عن آلية عمل مجلس الوزراء واضح ولا مجال للجدل فيه، وليس الفراغ الرئاسي هو الذي أربك الآلية بقدر ما أربكها الطامحون الطامعون إلى استعمال الفراغ الرئاسي "قميص عثمان"، وإبداء الحرص على إجراء انتخابات فورية، وهم يدركون أن المسألة ليست جلسة تصويت روتينية تحت وطأة ترشيحات غير مقبولة وطنياً.

سيتمّ التوصُّل إلى آلية أو منهجية للعمل الحكومي، بصرف النظر عن موعد الانتخابات الرئاسية، لكن تحالف سليمان - الجميّل سيستمر من منطلق "لم يعد لدي ما أخسره"، وإذا كان الرئيس سليمان من منطلق ردّة الفعل الشخصية على عدم التجديد لشخصه سيلعبها معركة ثأر غير متكافئة مع من يعتبرهم خصوماً وضعوا "فيتو" على التمديد له، فإن الرئيس الجميل كمرشح دائم سيأتيه الرئيس الذي لن يرضيه، ومن مصلحته الاستمرار في أي تحالف مناهض ضد كل من عارض وصوله، وإذا كان وزراء سليمان لا عودة لهم إلى أية حكومة مقبلة بعد انتخاب الرئيس، فإن حصة "الكتائب" ستعود إلى حجمها الطبيعي بوزير واحد، ولا حاجة إلى استعراض عضلات "سليمانية - جميلية"، لأن الأرض لن تهتز لرقصات الراحلين.