بعد السلام، أرجو منكَ يا معالي الوزير أن تشرّف قرية بزيزا، الكورة، أهاليها وفاعلياتها ومجلسها البلدي، بدون سابق إنذار، لكي تشهد بأمّ عينيك، عملية القتل المنظمة التي يرتكبها معمل لتصنيع الجفت، كان أحد أسلافك، معالي وزير الصناعة السابق، قد منح صاحبه ترخيصاً معيباً، جائراً، ومهيناً، كاسراً بذلك قرار المجلس البلدي الاجماعي الذي رفض الترخيص للمعمل، ومتحدياً أيضاً العريضة الشعبية التي رفعها الأهالي تأكيداً لهذا الموقف.

لقد استقبلتَ أمس، في مكتبكَ، وفداً من أهالي بزيزا، الذي خرجوا من الاجتماع بأطيب الأثر. معاليكَ، على علم دقيق بتفاصيل المأساة، التي يعاني منها، لا أهالي البلدة فحسب، بل أهالي بلدات الجوار، وبينهم أهلٌ لكَ أعزّاء، وأصدقاء، ومريدون سياسيون وحزبيون، وبينهم قبل كل شيء، أصحاب حق وكرامة ومصالح صحية وحياتية ومعيشية.

أمس، في الليل، في نحو الساعة التاسعة، جاء المحافظ إلى المكان، في "كبسة" سرية، غير منتظرة، وعاين ما عاين، من دخانٍ لئيم وماكر، ينتظر الليل لينفث مادة "إكزان" السرطانية المستخدمة في تشغيل المعمل، والمحرّمة عالمياً من منظمة الصحة العالمية.

ينفثها أين، يا معالي الوزير؟ في الهواء، وفي ماء النهر الذي يسقي المنطقة، وفي رئات المزروعات التي يعتاش منها الاهالي، وينفثها خصوصاً في رئات الناس.

يمكنك، يا معالي الوزير، أن تجري اتصالاً على الفور بالمحافظ، لتتأكد من صحة هذه المعلومات.

الكلّ يعرف يا معالي الوزير، أن المعمل المذكور، مدعوم، من جهات نافذة كثيرة، في الدولة. بعض هذه الجهات، على تلاقٍ سياسي موضوعي، مع الجهة السياسية والحزبية التي تمثلها. هذا طبيعي في السياسة. بل حقّ.

لا أريد أن أنتقص من أيّ جهة. حاشا. هذا ليس همّي، ولا همّ الأهالي. همّ الأهالي، وهمّي الشخصي، أن يوضع حدٌّ فوري لهذه المجزرة البيئية.

تعرف جيداً، يا معالي الوزير، أن صاحب المعمل استحصل على رخصة من أحد وزراء الصناعة السابقين، وأن الفضيحة الكبرى تتجسد في استحصاله على رخصة لاستثمار مجاري النهر، في بلدة تتدخل مديرية الآثار في منح رخصة لبناء سكني، فكيف في إنشاء مصنع لا يستوفي أدنى الشروط، ويضرب بعرض الحائط شتى المعايير المطلوبة.

المفارقة أن البلدة التي يلوّث المصنع المذكور نهرها، ويرمي نفاياته فيه، وينفث سمومه في الهواء، حاملاً الروائح الكريهة في الأجواء، وصولاً إلى بيوتها ومزروعاتها، سبق للدولة أن أصدرت طابعاً بريديا حمّلته رسم معبدها الروماني الذي استقطب ولا يزال الكثير من السياح وعلماء الآثار منهم أرنست رينان، ولابورد الذي رسم الهيكل الأثري بحجارته الضخمة وأعمدته المتعالية.

يخشى الأهل ازدياد نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية، كالأورام والتشوهات الخلقية وشلل الأطراف واضطراب الأعصاب، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي والعقم، وهي تنتج من التلوث المستفحل في الهواء والماء والتربة.

الأهالي يريدون حقّهم الكريم في الصحة. والبلدة تريد حقّها الكريم، ممثلاً بقرار المجلس البلدي، والعريضة الأهلية.

لا أريد أن أحرجك شخصياً. لكن اسمح لي، باسم القيم والمعايير التي تؤمن بها، بأن أخاطبكَ على الملأ، كونكَ معنيّاً بوضع هذه المعايير موضع التنفيذ في هذه المسألة. وعلى الفور.

يا معالي الوزير، اعتبرْ هذه الصرخة، صرخة حق، وهي خدمة للناس. هم، على ما أعتقد، لن ينسوا هذه الخدمة.