شكّلت زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة الاميركية وخطابه أمام الكونغرس محوراً بارزاً في اهتمامات أميركية وعربية واسرائيلية، خصوصاً انه حاولَ، بدَعم رئيس مجلس النواب الاميركي الجمهوري، أن يعرض قوّته في واشنطن نفسها في وجه الرئيس باراك اوباما، مؤكداً له أنه أقوى منه في بلده.

print

favorite

Comments 0

-T

+T

وعلى رغم المطالبات والضغوط التي مورست على نتنياهو من داخل اسرائيل وخارجها ومن داخل واشنطن لثَنيه عن هذه الزيارة الاستفزازية، فإنّ «بيبي» (نتنياهو) فَعلها في الموعد المحدد وقبل اقلّ من اسبوعين على انتخابات الكنيست.

في الشكل بَدا نتنياهو منتصراً، ولكن في الجوهر رأى كثير من المراقبين انه قدّم أكثر من تراجع لأوباما عبر هذه الزيارة. وتراجع نتنياهو بَرز في قضيتين:

أوّلهما انه لم يعد متمسّكاً بالخيار العسكري، أي الحرب ضد ايران، بل قال بوضوح انه ليس مع الحرب ولكنه مع اتفاق أفضل. وبهذا وضعَ نتنياهو نفسه في سكّة المفاوضات الاميركية - الايرانية بعدما كان معارضاً لها تماماً ورافضاً ايّ تقدّم فيها. امّا التراجع الآخر، فهو انّ نتنياهو لم يأتِ على ذكر تخصيب اليورانيوم الذي كان أبرز المطالب الاسرائيلية من واشنطن.

كذلك بَدا تراجعه واضحاً من خلال إشادته بأوباما نفسه ودعمه المعروف لإسرائيل وغير المعروف ايضاً، في إشارة يريد من خلالها إعادة بناء الجسور مع اوباما الذي بَدا مصرّاً على المضيّ في اتفاقه النووي مع إيران مستنداً الى ارتفاع شعبيته، ومستخِفاً بخطاب نتنياهو حين قال انه لم يسمعه وانّ خطابه لم يحمل جديداً.

تراجُع نتنياهو هذا يعود الى تراجع الحماسة لخطابه داخل الكونغرس نفسه، خصوصاً اذا قيسَت حرارة الاستقبال هذه المرة بحرارتها في المرة السابقة. ولقد قاطعَ الجلسة أكثر من 50 عضواً ديموقراطياً، بينما لم يصفّق لنتنياهو أعضاء الكونغرس وقوفاً أكثر من 13 مرة في حين تجاوزَ التصفيق في المرة السابقة 25 مرة.

وما يفسّر تراجع نتنياهو ايضاً هو حجم التعليقات و»النصائح» التي تلقاها من أصدقاء أميركيين تاريخيين لإسرائيل بمَن فيهم نواب يهود بارزون في مجلس الممثلين، ناهيك عن افتتاحيات في الصحف الكبرى دَعته الى عدم ضرب العلاقات الاميركية ـ الاسرائيلية عبر استفزاز الرئيس الاميركي ومحاولة إذلاله كما بَدا في الايام الاولى للحديث عن زيارته لواشنطن.

ولقد فوجئ نتنياهو بأنّ باصات النقل داخل واشنطن ونيويورك وغيرها من المدن الاميركية الكبرى وضعت إعلانات على جنباتها تندّد بزيارته، وهو ما لم يحصل أبداً في تاريخ الولايات المتحدة، ما يشير الى انّ الاعتراض عليها لم يقتصر على اوباما والدوائر القريبة منه فقط، بل وصلَ ايضاً الى الشارع الاميركي نفسه الذي تتزايد فيه، خصوصاً في جامعاته، الدعوات الى مقاطعة إسرائيل لأنّ النظام الصهيوني فيها هو نظام فصل عنصري شبيه بالذي كان قائماً في جنوب افريقيا.

وموجة الاحتجاج على السياسة الاسرائيلية لم تعد محصورة في شرائح واسعة داخل المجتمع الاميركي، بل تعدّتها الى نخب أوروبية، حيث أعلن اكثر من 700 فنان بريطاني مقاطعتهم الكاملة لإسرائيل، فيما أعلنت منظمة «ميسا» الغربية، التي تضمّ 30 ألف باحث علمي اوروبي، مقاطعتها العلمية لإسرائيل.

ويضيف المراقبون انّ كرة الثلج التي بدأت مع مقالة كتبها قبل 9 سنوات أستاذان في جامعة هارفرد كبيران هما: ميرشماير وولت، تحدّثا فيها عن سيطرة اللوبي الصهيوني على السياسة الخارجية الاميركية.

كرة الثلج هذه بدأت تكبر في حرم الجامعات الاميركية لتصِل الى البنتاغون نفسه، حيث بدأ جنرالات كبار فيه يتحدثون في شهادات أمام الكونغرس عن انّ السياسة الاسرائيلية باتت عبئاً على المصالح الاستراتيجية لأميركا.

لقد نجح نتنياهو في تحقيق الزيارة، لكنّ اوباما نجح في الاستمرار بسياسته الرامية للتوصّل الى اتفاق مع ايران بعدما سقطت الذرائع الواحدة تلو الاخرى من يد معارضي هذه السياسة في الكونغرس. امّا الضربة الأقسى التي تلقّاها نتنياهو فكانت من «الموساد» نفسه حيث أكدت تقارير مُسرّبة منه أنه لا يعتقد انّ طهران في صدد إنتاج قنبلة نووية.

يبقى السؤال هل سيتنبّه الناخب الإسرائيلي الى فشل رئيسه في الانتخابات المقبلة، وهل يقوده فشله للرضوخ الى ضغوط اميركية تتعلق بإنجاز تسوية مع الفلسطينيين تضمن، كما يقول أوباما نفسه، أمن اسرائيل اكثر ممّا تضمنه سياسة نتنياهو؟