لم يشاهد الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية ​بنيامين نتانياهو​، بل اكتفى بـ"قراءة نصّه" كما نقله له مساعدوه، ليستنتج أنّه "لم يقدّم جديدًا"، ومثله فعل وزير خارجيته جون كيري، بفعل "انهماكه" بعقد اجتماعٍ هو الثالث من نوعه مع نظيره ال​إيران​ي محمد جواد ظريف.

يكاد موقف أوباما يكون كافيًا لتوضيح الصورة. "التباين" بين "الحليفين اللدودين" لم يعد مجرّد "كلام صحف". في الشكل كما في المضمون، هناك "خللٌ ما" ينبغي التوقف عنده، مع التشديد على عدم جواز "الرهان" عليه، باعتباره "غير مطابق" لا في المواصفات التاريخية ولا الآنيّة.

تحدّاهم في عقر دارهم..

لا يمكن لخطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في قلب الكونغرس، الذي وُصِف قبل أوانه في بعض الأوساط بـ"المفصلي"، إلا أن يُفسّر بأنّه "تحدّ" بكلّ المعايير للرئيس الأميركي باراك أوباما وحزبه الديمقراطي.

وبحسب المراقبين، فإنّ هذا "التحدّي" هو أولاً وقبل كلّ شيء في الشكل، خصوصًا أنّ الإدارة الأميركية كانت قد استبقته بالكثير من التحذيرات والتمنيات، التي لم يُعِرها نتانياهو اهتمامه على ما يبدو، ولعلّ أهمّها ذلك الذي خرج عن وزير الخارجية جون كيري قبل ساعاتٍ من الخطاب، وحذر فيه نتانياهو من دون أن يسمّيه من كشف تفاصيل الاتفاق مع إيران، فإذا بالأخير يدخل بتفاصيل الاتفاق، متذرّعًا بأنه يمكن الحصول عليها من خلال محرّك البحث الشهير "غوغل".

وعلى الرغم من أنّ الإدارة الأميركية كانت دائمًا تحرص على وضع "حليفها اللدود" في أجواء الاتفاق النووي، وتطمئنه على أنه لن يكون "على حسابه"، فإنّ الرجل مضى في "تحدّيه" إلى النهاية، كما يقول المراقبون، بدليل "الحفاوة" التي لقيها من خصوم أوباما، الذين حاولوا "تغطية" مقاطعة الديمقراطيين للخطاب، عبر ملء مقاعدهم من قبل بعض المساعدين، علمًا أنّ نتانياهو حصد من التصفيق والتهليل ما لم يحلم أوباما أصلاً بالحصول عليه.

"إهاناتٌ بالجملة"

ومن الشكل إلى المضمون، فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ خطاب نتانياهو لم ينزل لا بردًا ولا سلامًا على أوباما وأعوانه، بدليل التعليق الأول الذي خرج به أوباما عن أنّ الخطاب لم يحمل جديدًا، وأنه لم يقدّم أيّ "بدائل تُذكَر".

وما لم يقله أوباما يقوله مراقبون يعتبرون أنّ خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية كان "مُهينًا" بشكلٍ من الأشكال للإدارة الأميركية، فهو بتكراره الحديث عن "الخطر" الذي تمثله إيران والذي يفوق كلّ "الأخطار"، وصولاً لحدّ وصفها بأنّها "التهديد الأكبر"، بدا كمن يريد القول أنّ الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها واستخباراتها غير قادرة على تشخيص هذا الخطر، وأنّها تقع في فخ السياسات الخاطئة، بل إنّها تستهين بالخطر وتتأقلم معه ببساطة، وهو ما اعتُبر "إهانة جوهرية" لم تستطع "كثرة الثناء" التي اعتمدها نتانياهو في إشارته للولايات الأميركية وإداراتها المتعاقبة بالتغطية عليها بالمطلق.

أبعد من ذلك، وتحت ستار "الهواجس النووية"، كان واضحًا من خطاب نتانياهو نفسه أنّ القلق الإسرائيلي يتخطى الملف النووي بأشواط، بدليل أنّ نتانياهو اشترط إبرام الاتفاق بـ"وقف عدوانية إيران في الشرق الأوسط، ووقف دعم الإرهاب في أرجاء العالم، والكف عن التهديد بإبادة إسرائيل، الدولة اليهودية الواحدة والوحيدة". وليس خافيًا على أحد أنّ "الإرهاب" في القاموس الإسرائيلي ليس سوى مقاومة الاحتلال والتمسّك بتحرير الأرض، وبالتالي فإنّ الموقف الإسرائيلي هو مرتبطٌ بالشكل وبالمضمون بدعم الجمهورية الإسلامية في إيران قلباً وقالباً لحركات المقاومة في لبنان.

شيءٌ لم يتغيّر..

وبعيدًا عن "الضجّة الإعلاميّة" التي أثارها خطاب نتانياهو، فإنّ الأكيد بحسب المراقبين أنّ "ما قبل خطابه" هو نفسه "ما بعد الخطاب"، بمعنى أنّ شيئاً في الصورة العامة لن يتغيّر، أقلّه في المدى المنظور، ذلك أنّ الدوافع التي أدّت لقيام "المفاوضات النووية" بين الجمهورية الإسلامية والدول الغربية وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية لا تزال قائمة، بل إنّها اليوم باتت مطلوبة أكثر من أيّ وقتٍ مضى، في ضوء اتساع الخطر الناتج عن الإرهاب والتطرف والذي لم يعد أحد بمنأى منه، بعدما بدأت يطرق أبواب القارة الأوروبية العجوز، وبالتالي فإنّ أيّ استراتيجية فعالة لمواجهته تتطلب تعاونًا بالحدّ الأدنى بين الدول المحورية في المنطقة، وإيران تقع في صدارتها، خصوصاً أنّ أوباما يسعى لتحقيق "إنجاز" على هذا الصعيد مع اقتراب العدّ العكسي لنهاية ولايته الثانية، بعدما فشل في تحقيق ما كان يطمح إليه على صعيد مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بسبب تعنّت نتانياهو أيضًا وأيضًا.

وهنا، يلفت المراقبون إلى أنّ العاصفة المضادة لمثل هذا التفاهم ليست بجديدة، ويذكّرون بجذورها تزامنًا مع بدء الحراك الدبلوماسي بين "محور الشرّ" و"الشيطان الأكبر"، وكيف كُتِب الكثير عن "تحالفٍ غير مُعلَن" يومها بين إسرائيل من جهة، ودول الخليج وخصوصًا المملكة العربية السعودية من جهة ثانية، في وجهه، باعتبار أنّ الجانبين، بوصفهما حليفين لبلاد "العم سام"، تحسّسا رقابهما يومها، خشية أن يأتي هذا الاتفاق على حسابهما، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الاتفاق سار كما كان مكتوبًا له، بوصفه "ضرورة" في هذه المرحلة، شاء من شاء وأبى من أبى، كون "البديل" عنه ليس سوى المزيد من "الفوضى" التي لا يتوخّاها أحد اليوم، باعتبار أنّ الخطر التكفيري أكثر من كافٍ ووافٍ..

خط أحمر..

لطالما كانت إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية خطاً أحمر، وهي ستبقى كذلك. وعلى الرغم من "التباين" في الرؤية والموقف، الذي تجلى بشكل خاص من خلال خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية في الكونغرس وردّ الرئيس الأميركي عليه، فإنّ الأكيد بالنسبة للمراقبين أنّ أوباما لن يبرم أيّ اتفاق لا تكون مصالح إسرائيل فيه محفوظة، مع حبّة مسك.

من هنا، فإنّ الرهان على الاختلافات الحاصلة، والذهاب لحدّ القول أنّها قد تكون "مدمّرة" للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، لا يبدو واقعيًا على الإطلاق، تمامًا كما أنّ الرهان على "دخان أبيض" شامل يتصاعد من المفاوضات النووية لا يبدو واقعيًا، أقله حتى الآن.