أشار البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​ خلال سلسلة افتتاحه ندوات عن دولة لبنان الكبير في الجامعة اللبنانية الالمانية الى ان "الوصول الى لبنان الكبير مسيرة طويلة لم تأت صدفة، حيث تميز الموارنة بتكوين الامة المارونية وعناصرها الاساسية على أنها مجموعة أشخاص تنظمت في جبل لبنان، وحافظت على تراثها الانطاكي وعقيدتها الكاثولوكية، وعاشت ضمن حكم ذاتي وسط أنظمة بيزنطية، ومسلمة وتوحدت حول ايمانها الكاثوليكي وحريتها، وسعت الى العيش بإستقلالية، وكان البطريرك محور الامة المارونية وحامي وحدتها وكان الرئيس الوحيد للشعب، ومتعاونا كنسيا مع الاساقفة، ما جعل من البطريرك مرجعية وطنية وملتقى القادة السياسيين".

وأوضح الراعي ان "الخط الاساسي الذي سار عليه الموارنة، كان السعي والحفاظ على الوحدة في الايمان والاستقلالية في جبل لبنان، والتعددية الثقافية والدينية، حيث بدأت مسيرتهم في عهد الامويين، فأبرم الموارنة مع الحلفاء الامويين معاهدات مكنتهم من العيش مع المسلمين العرب بتفاهم وسلام. ثم بدأت العلاقات الصعبة في عهد العباسيين. فهدمت كنائسهم في العراق، وفي جبل لبنان دفعوا الجزية للمحافظة على استقلالهم. أما في عهد الصليبيين، البابا أوربانوس الثاني بدأ الحملة وسببها اضطهاد المسيحيين والتعدي على زائري الاراضي المقدسة، وكانوا الموارنة يحاربون لحماية ايمانهم".

ولفت الى ان "الموارنة ارتاحوا لمجيء الفرنج، فتعززت العلاقة مع روما التي تفاجأت بوجود الموارنة، وأرسل البطريرك وفدا مع رسائل الى البطريرك باسكال الثاني. ثم تمتنت العلاقة مع روما، وتمكن الموارنة من الانتشار في لبنان وقبرص وحصنوا استقلاليتهم، ثم كانت محطة تعاون في عهد ملك فرنسا لويس الثاني، وكتب رسالة عبر فيها عن الالتزام بحماية الموارنة واعتبارهم جزء من فرنسا".

واكد الراعي ان "عهد المماليك شكّل المأسات الكبرى، فإنكفأوا على ذاتهم بسبب الاضطهاد والتنكيل وكان لهم 3 مطارنة شهداء، لكن البطاركة الذين تعاقبوا على مدى 224 سنة تحمل جور المماليك بصبر، من تعدي وتهجير وظلوا على اتصال مع روما والغرب"، مشيراً الى ان "في عهد العثمانيين، تبدل الوضع نوعا ما، السلطان سليم الأول بعد انتصاره على المماليك، تميز بكثرة حلمه وأمر بإعادة اعمار البلاد، ونعم الموارنة بإستقلالية، والبطريرك كان يتولى شؤونهم العامة، وكانوا يقومون بحماية أنفسهم".

وقال الراعي ان "التعاون بين الامير فخرالدين والبطريرك يوحنا مخلوف شكل نواة الدولة اللبنانية، وفكرة الكيان القائم على التعاون بين الديانات والثقافات، فكانت النهضة العمرانية والثقافية والتجارية على يد إرساليات أوروبية. وواصل البطاركة التعاون وثبتوا استقلاليتهم، أما في العهد الشهابي، البطريرك اسطفان الدويهي أول من كتب تاريخ لبنان، وتواصل التعاون بين البطاركة والامراء الشهابيين، ولكن عندما مرت البلاد بحالة تمزق، وانقسام مذهبي، انطوى عهد الامارة عام 1884، وحل نظام القائمقامية، ولكن هذه الصيغة استغلت لضرب الوحدة فكانت أحداث 1845"، موضحاً أن "البطريرك الخازني ناد بالمساواة بين المسيحيين والمسلمين، والبطريرك بولس مسعد نقل القضية اللبنانية الى مرتبتها الاولى، وقام بدور كبير في أشد الاخطار، والتقى نابليون الثالث والسلطان عبدالعزيز وعالج ثورة الفلاحين ساعيا الى السلام، ووضع نظام المتصرفية في عهده، وهذا النظام أرسى مبدأ المساواة بين الطوائف وأرسى الارجحية المسيحية في الجبل، البطريرك طالب بهيئة تشريعية وطنية، وبمتصرف وطني مسيحي، ورفض طلبه فكانت ثورة يوسف بك كرم".

وأشار الى انه "بعد إنهيار السلطنة، حصلت تسويات في المنطقة وبرز البطريرك الياس الحويك وكان في اساس قيام دولة لبنان الكبير والمستقل، وتبلورت حتى أصبحت فكرة دولة لبنان المستقل، واصدر مجلس الادارة اللبناني قرارا بتشكيل وفد لينان برئاسة الحويك الى مؤتمر الصلح في فرساي" لافتاً الى ان "في عهد البطريرك أنطون عريضة انتهى الانتداب الفرنسي وتحقق الاستقال، وهو كتب الى وزير خارجية فرنسا آنذاك مؤكدا أنه يتكلم بإسم الشعب"، موضحا أن "اللبنانيين أرادوا من الانتداب تحقيق امنياتهم، ولكن كانت الصدامات، وبالنسبة الى الاستقال أكد أننا نريد استقلالا مضموناً من الدول مبنيا على العدل، ونريده استقلالاً مخدوما بحكومة تنتقي أشخاصا نزهاء، واستقلالا مبني على الحرية والتآلف. فإنتهى الانتداب وتحقق الاستقلال".