غداة العملية العسكرية التي استهدفت رتلا من السيارات العسكرية الاسرائيلية داخل مزارع شبعا المحتلّة في 28 كانون الثاني الماضي، عقد ضباط عسكريون لبنانيون وإسرائيليون اجتماعاً تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو في الأصل اجتماع دوري يُعقد أيضاً في حال حدوث تطوّرات أمنية وعسكرية تشكّل خرقاً للقرار 1701. الرواية الإسرائيلية، كما تؤكدها مصادر دولية معنية، عرضت مسار التحقيقات الاسرائيلية للعملية في ظلّ مسار دولي لضبط تداعيات التصعيد العسكري بعد العملية. تلك التي جاءت ردّاً على اغتيال إسرائيل قيادياً إيرانياً وكوادر من حزب الله في محيط القنيطرة السورية في 18 من الشهر نفسه...

الرواية الاسرائيلية تقول انه كان يمكن أن تؤدّي العملية إلى سقوط عدد من القتلى يتجاوز ما سقط في العملية، أي قتيلين وسبعة جرحى. وأشارت رواية الصهاينة إلى وجود سيارة نقل ركّاب مدنية في الموكب المستهدف تابعة لمؤسسة مدنية إسرائيلية، عادة ما تنقل مدنيين إسرائيليين، وكانت فارغة باستثناء السائق ومرافقه. وبحسب المصادر الدولية، استنادا إلى هذه الرواية، فإنّ قلّة عدد القتلى الإسرائيليين هو ما ساهم في لجم التوتر. فسقوط عشرة إسرائيليين قتلى كان يمكن أن يؤدّي إلى ردّ اسرائيلي قد يستجلب حرباً، خصوصا أنّ هذه الحرب يمكن أن تشكّل، في الحساب الإسرائيلي، تشويشاً على الحوار الأميركي – الإيراني، وربما توفر مزيداً من فرص اليمين الإسرائيلي بالفوز في انتخابات الكنيست.

العمليتان في القنيطرة ومزارع شبعا لم تؤدّيا إلى فتح الجبهات بين إسرائيل من جهة وحزب الله والحرس الثوري الإيراني والجيش السوري الأسدي من جهة ثانية. لكن ما يجري اليوم في المناطق المحاذية للجولان السوري المحتلّ، والممتدة على طول 78 كلم، وتتّصل بالخط الأزرق اللبناني، هو صراع على من سيمسك ورقة الحدود مع الجولان السوري. واستناداً إلى مصادر دولية أيضاً فإنّ إسرائيل ترفض أيّ وجود عسكري لحزب الله أو إيران على ضفة الحدود السورية، كما ترفض أن تكون جبهة النصرة هي الطرف المقرّر في الجانب السوري. وتؤكّد هذه المصادر، المتابعة لخطّ الهدنة وامتداداته على حدود الجولان المحتل مع سورية، أنّ إسرائيل عمدت في الآونة الاخيرة إلى بناء جسور تواصل مع أبناء البلدات القريبة من الحدود، عبر الإغاثة الطبية وغيرها من وسائل تتيح ضمان الهدوء على حدودها، وكسر حالة العداء مع السكان السوريين المقيمين.

تقدّر هذه المصادر أنّ اسرائيل تراهن وتعمل على إبقاء حال من التوازن العسكري بين المجموعات المسلّحة المعارضة للنظام السوري، أيّا كانت تسميتهم، من جبهة النصرة وسواها. بمعنى أنّها لن تسمح لأيّ طرف بأن يحسم معركة السيطرة على الحدود مع الجولان المحتل. وتلفت هذه المصادر إلى أنّ الجهد الإسرائيلي يتركّز في الدرجة الاولى على أبناء القرى السورية، من خلال معادلة ضمان الأمن المتبادل والقائم على أنّ إسرائيل لن تسمح بأن تكون هذه المناطق منطلقا لأيّ عدوان عليها، في مقابل ضمان إسرائيل توفير شروط الحماية للسكان السوريين ضدّ أيّ محاولة لتهجير السكّان أو تفجير مواجهات عسكرية على تخومها أو في داخلها.

بحسب المصادر الدولية المعنية فإنّ تغيّراً مستمراً فرضته الأزمة السورية على أحوال الحدود مع الجولان، من تبدّلات في الخارطة العسكرية والأمنية. وتلفت إلى أنّ الجيش السوري لم يعد الجهة التي تضمن استقرار خطّ الهدنة من الجانب السوري فعليا، وهو ما حفّز إسرائيل على ما يبدو إلى الدخول على خطّ الأزمة على حدود الجولان. والتقديرات الدولية، من خلال التقارير السياسية والعسكرية، تشهد تنامي الدور الإسرائيلي في هذه المناطق، لكن ليس هناك مؤشّرات على تدخّل إسرائيلي عبر احتلال مناطق أو خوض حرب على الأراضي السورية.

هناك قلق من تصعيد عسكري، بحسب المصادر الدولية، هذه المرّة عبر دخول الأطراف في مواجهة قد لا تكون محسوبة، بل مفاجئة وتستدرج الأطراف المتصارعة إلى حرب قد لا يريدونها. فإسرائيل تراقب التحوّل الجاري على صعيد دخول قوّات إيرانية محترفة (لواء فاطميون) في مواجهة الجماعات السورية المعارضة ضمن مناطق الجنوب السوري. المواجهات لم تستدرج إسرائيل مباشرة. فاختبار القنيطرة الإسرائيلي أظهر قدرة الأطراف على ضبط النفس تجاه الانجرار إلى حرب إسرائيل فيها طرف مباشر. لكنّ هذه القدرة مشوبة بقلق من أنّ اختلال التوازنات العسكرية في الجنوب السوري قد يدفع إسرائيل إلى خطوة عسكرية بذريعة مواجهة وجود عسكري إيراني يهدّد حدودها.