كان الاحتفال بالعيد الثمانيني للجنرال في بيت الوسط محطة لا يمكن تجاوزها او تجاهلها بالكامل، فليس عادياً ان يقام في بيت الوسط مراسم الاحتفال وقطع قالب حلوى بالتوقيت نفسه مع ذكرى 14 شباط، وليس امراً عادياً ان يترك عون الرابية ليزور سعد الحريري وهو المعروف عنه بانه لا يزور بل يزار، وليس امراً عابراً ان تكون معايدة الحريري اكثر «حميمية» من معايدة سمير جعجع في زمن الحوار بين القوات والتيار الوطني الحر، والذي كانت كافية العبارة التي ذيلت بها برقية المعايدة بتطيير الحوار القواتي والعوني من بكرة ابيه بعدما كشفت الكلمات ان رئيس القوات ليس مستعجلاً لإنجاز الاتفاق مع الرابية قبل عام في حين يريد عون في رده المبطن على جعجع انجازه قبل نهاية الصوم عند المسيحيين ليكون بمثابة عيدية العيد للمسيحيين الذين يتطلعون الى اتفاق الزعيمين الذي يعيد الوهج والحياة للرئاسة المهجورة ويعيد جزء من الحقوق المسيحية والامان الى قلوب المسيحيين المتخوفين على الكرسي الاولى وعلى المصير من بطش داعش الذي هجّر كل المسيحيين في الشرق ولم يتبق منهم إلا مسيحيي لبنان.

كل المعطيات على الساحة تظهر ان الحوار بين حزب الله والمستقبل لم يعد من سابع المستحيلات بل صار واقعاً وحاصلاً فعلاً وربما متقدماً ومنجزاً في مرحلة لاحقة رغم كل الملفات الضاغطة ووطأة ملف المحكمة الدولية واشكالية مشاركة حزب الله في الحرب السورية وما تعنيه لتيار المستقبل، وان الحوار بين القوات والعونيين كاد ان يصل الى إعلان نوايا مشتركة لولا اشكاليات اللحظة الاخيرة، وان لقاء الحريري وعون الاخير لم يكن مجرد لقاء عابر بل انه فتح ابواب الحوار الرئاسي على مصراعيه وربما اقرب بكثير من النقاط التي لامسها حوار جعجع وعون بالواسطة، وان كان التوصل الى نتائج ملموسة وايجابية من حوار عون والحريري يحتاج الى متابعة والى جلسات لاحقة ولذلك يتحدث المتابعون للملف بان النائب غطاس خوري هو على تواصل دائم مع الرابية في هذا الشأن.

في هذا السياق يتحدث العارفون بان الاجتماع بين الحريري وعون ما كان ليكون لقاء عابراً وبدون ان ينتج خريطة طريق الى الرئاسة وسائر الملفات السياسية الساخنة الأخرى ، فالجنرال لا يزال متمسكاً بحقه بالوصول الى كرسي بعبدا وهو الذي يتربع على عرش الكتلة المسيحية الاكبر في المجلس النيابي وفي قناعته ان وصوله الى بعبدا لا يزال متاحاً وبان الحريري شخصياً الذي اختار خط الاعتدال سلاحاً في وجه الارهاب المتسلل الى العمق اللبناني مفضلاً الجلوس الى طاولة حزب الله بدل معاداته ومخاصمته ربما لا يقف حجر عثرة في درب الجنرال الى قصر بعبدا إذا ما وافق مسيحيي 14 آذار على ترئيسه واذا توافرت الظروف الإقليمية والدولية لهذا القرار.

بالمقابل ثمة من يبدد هذه الاجواء التفاؤلية، فالاحتفال بالعيد الثمانين لعون في بيت الوسط على رمزيته لا يعني قبول زعيم المستقبل به وسقوط الفيتوات التي تقيمها المملكة على ترئيسه، فما بين الرابية وقريطم الكثير من الأبواب الموصدة التي لم تفتح بعد، في اعتقاد المقربين من الرابية ان زعيم المستقبل اسير الضغوط والتزاماته الداخلية والدولية، لكنه بالمؤكد لا يتعاطى بسلبية الأمس مع الرابية ولكن ثمة الكثير من المفارقات والالتباس في العلاقة والمعوقات التي تقف في وجه الاتفاق الرئاسي بينهما. وبالنسبة الى الكثيرين فان العلاقة بين الرابية والمستقبل تتخذ شكل المد والجزر وهي في الفترة الاخيرة لم تنتكس كثيراً ولم تصل الى نقطة اللاعودة او نقطة الصفر بينهما عندما قطع ذات يوم الجنرال لزعيم المستقبل «وان واي» تيكيت.

رغم كل الإيحاءات والدور المعطل الذي يلعبه البعض لتعطيل علاقة المستقبل والرابية، على غرار ما هو حاصل بين الرابية ومعراب واحتمال توقف الحوار القائم بين عون وجعجع نهائياً، فالطرفان في بيت الوسط والرابية يقفان امام تحديات خطورة المرحلة والارهاب المتسلل الى الداخل والذي لن يستثني اي فريق او طائفة.. من جهة اخرى يتوقف المتابعون عند مفارقة جلوس الخصمين اللدودين اي حزب الله والمستقبل مع بعض على خلفية الملفات الكبيرة بينهما ليظهرا المقاربة التالية بان لا شيء يعوق انطلاقة جديدة للحوار بين المستقبل والرابية فالحوار في تأكيد الطرفين لم يتم إلغاؤه بل تم تجميده لبعض الوقت، ومن جهة اخرى فان الإشارة الأكثر اهمية تتمثل في تمسك حزب الله بترشيح عون للرئاسة في الاجتماعات الثنائية التي تعقد بين المستقبل وحزب الله وزعيم الرابية مطمئن لتحالفه مع الضاحية وللتطمينات بان الحزب لن يسير برئيس غيره وبان الرئيس المسيحي لا يقرره الشريك المسلم وحده بناء لمقاربة حزب الله والتزامه مع الرابية.