بعيداً عن المُناورات العسكريّة الإيرانيّة، وعن المُناورات السياسيّة الإسرائيليّة، وعن المُناورات الدبلوماسية الأميركيّة–الغربيّة، تُجمع آراء الخبراء الدَوليّين المُتابعين لملف المفاوضات بين إيران من جهة ودول الخمس زائد واحد من جهة ثانية، أنّ القسم الأكبر من العقبات قد أزيل أمام توقيع إتفاق بين الطرفين بشأن الملفّ النووي، وأنّ ما تبقّى هو مُجرّد تفاصيل مُرتبطة بتواريخ رفع العقوبات بشكل كامل عن إيران، ومُتعلّقة بشأن النسب الدقيقة لعمليّات تخصيب اليورانيوم التي ستكون مسموحة، وخاصة بنوعية المراقبة والمتابعة التي سيحظى بها مراقبون غربيّون لمتابعة الجانب السلمي من برنامج إيران النووي، إلخ. لكن وبحسب المُراقبين أنفسهم، فإنّ هذه التفاصيل الباقية ليست بالسهولة التي يتصوّرها البعض، بل تحتاج لمزيد من الوقت لحلّها، ما يعني عمليّاً توقّع عدم التمكّن من إنجاز أيّ إتفاق نهائي خلال الشهر الحالي، وضرورة إستنزاف كامل المهلّة المحدّدة سابقاً والتي تنتهي في أواخر شهر حزيران المقبل كحدّ أقصى. وبالتالي، إنّ أكثر الجهات تفاؤلاً تتوقّع أن تحمل الأسابيع القليلة المُقبلة، نوعاً من الإتفاق على الخطوط العريضة التي يجري عمداً التكتّم على تفاصيلها منعاً لدخول المزيد من الأطراف على خط العرقلة. وبالتالي، من المُرجّح أن يتمّ إستغلال كامل الأشهر الأربعة المقبلة المتبقية ضمن المهلة المحدّدة بين الطرفين، لحسم نقاط الخلاف العالقة. ومن ضمن الحلول المُقترحة للمشاكل الناجمة من غياب الثقة بين الطرفين، إعتماد وسيلة التدرّج المتبادل في الإجراءات المنتظرة من قبل الطرفين، ومنها على سبيل المثال رفع العقوبات بالتدرّج ضمن مهل مُحدّدة وواضحة، في مقابل تخفيف نسب التخصيب بشكل تصاعدي أيضاً.

أمّا وقد صار الإتفاق المبدئي بين إيران والغرب على باب قوسين من التحوّل إلى حقيقة ملموسة ومفروضة على أكثر من جهة مُعترضة، بحيث أنّ بضعة أشهر من التأخير ليست بالمسألة المهمّة بعد نحو عقد من العقوبات الدَوليّة إعتباراً من كانون الأوّل 2006، وبعد أشهر طويلة من جولات التفاوض، فإنّ الإهتمامات تتركّز من اليوم على ما بعد توقيع الإتفاق الذي لا بُدّ وأن يُنجز، إن لم يكن في القريب العاجل، ففي المستقبل المتوسّط. وبحسب أكثر من دبلوماسي أميركي وغربي، فإنّه بموازاة المفاوضات المُستمرّة بشكل مُتقطّع، يتولّى فريق من الإدارة الأميركية الحالية دراسة سُبل التعاطي الأميركي–الإيراني بعد إتمام الإتفاق، وكذلك دراسة سُبل التعاطي الأميركي مع كل من إسرائيل، أي الحليف الإستراتيجي في المنطقة، والدول الخليجيّة، أي الحلفاء الإقتصاديّين والسياسيّين لأميركا في الشرق الأوسط.

وبالنسبة إلى الخطّ الأوّل، تُخطّط واشنطن لأن يسمح لها التقارب المُنتظر مع طهران، بإستغلال إلتقاء المصالح المُشتركة بالنسبة إلى خطر تنظيم "داعش" الإرهابي، لتنسيق طبيعة المواجهة المطلوبة، إن على الصعيد العسكري أو على المستوى السياسي. فمثلاً إذا كانت المصلحة المُشتركة تقضي بأن يكون العراق مُستقرّاً وخالياً من مسلّحي "داعش"، فإنّ واشنطن ستعمل على أن لا يكون الدور الإيراني هو وحده الذي سيُحقّق ذلك، بل بالتنسيق مع أدوار أخرى للاعبين آخرين، ومنهم حلفاء أميركا في "كردستان العراق" على سبيل المثال لا الحصر. وما ينطبق على العراق، ترغب الولايات المتحدة الأميركية في تطبيقه على سوريا بالتنسيق مع تركيا والأردن، وفي ليبيا بالتنسيق مع مصر، وفي اليمن بالتنسيق مع المملكة العربيّة السعوديّة... وهنا تكمن المشاكل المُنتظرة والمُتوقعة، بحسب أكثر من مسؤول أميركي. ويتوقّع هؤلاء، أنّه في حال قرّرت الإدارة الأميركيّة تجاوز الإعتراضات الإسرائيليّة على الإتفاق النووي مع إيران ونجحت في تمريره، وفي حال تجاوزت الإعتراضات الخليجيّة على تقرّبها مِن طهران ونجحت في إيجاد صيغة تعاون مُشترك معها، فإنّها ستُعرّض علاقاتها التاريخيّة مع باقي الأطراف في ما يُسمّى "الشرق الأوسط الكبير" للإهتزاز والتأزّم، ولو بدون الوصول إلى مرحلة إنقطاع العلاقات، نظراً إلى كثرة المصالح المُشتركة. وسيكون على الإدارة الأميركيّة بالتالي، بحسب هؤلاء المسؤولين الأميركيّين، الحصول على نوع من التنازلات أو أقلّه على نوع من التسويات مع القيادة الإيرانيّة، بالنسبة إلى كثير من ملفّات المنطقة الساخنة، وذلك بهدف إرضاء الحلفاء الآخرين أيضاً. وهذه الملفّات متعدّدة ومتشعّبة في الوقت عينه، وتمتدّ من اليمن وصولاً إلى سوريا، مروراً بالعراق وليبيا وغيرهما، علماً أنّ الصورة غير واضحة بشأن أيّ ملفّ سيَحظى بالأولويّة.

في الختام، يمكن القول إنّه في حال سارت المفاوضات كما هو مرسوم لها، فإنّنا ذاهبون إلى إتفاق نووي مبدئي في المُستقبل غير البعيد، وعندها سيليه شدّ حبال قوي بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، لتعزيز واقع التفاوض الخاص بكل ملفّات الشرق الأوسط العالقة. فهل هذا ما سيحصل، أم سيتمكّن المُتَضرّرون من التقارب الأميركي–الإيراني، وهم كُثر من تركيا إلى إسرائيل إلى دول الخليج وغيرهم من الأطراف، من عرقلة الإتفاق في لحظاته الأخيرة والحاسمة بدعم من الأكثريّة الديمقراطيّة في أميركا؟ الأيّام والأسابيع المُقبلة قد تحمل فكرة عن طبيعة الإجابة المُنتظرة...