أعادت عملية الإغتيال السياسي، التي تعرض لها شقيق رئيس الحزب "الديمقراطي العربي" ​بدر عيد​، إلى الأذهان طريقة تعامل قوى الثامن من آذار مع مثل هذه الحالات، التي لا تتم متابعتها بالشكل المطلوب، من أجل الإقتصاص من القتلة وسوقهم إلى العدالة على الأقل، في حين لو حصل الأمر في الضفة المقابلة لأصبح خبراً يومياً على مدى أشهر طويلة، ولربما تم إستغلاله من قبل قوى الرابع عشر من آذار لتحقيق بعض الأهداف، أصغرها المطالبة باسقاط حكومة أو الدعوة إلى حل حزب، وأكبرها الإعلان عن "ثورة".

عيد لم يكن رجلاً سياسياً أو متابعاً لأي قضية، "جريمته" أنه شقيق النائب السابق ​علي عيد​ فقط، لكن بالعودة إلى الوراء من الممكن الحديث عن حالات إغتيال سياسي موصوفة، من المجزرة التي ارتكبت بحق عناصر "الحزب السوري القومي الإجتماعي" في بلدة حلبا، إلى إطلاق النار على منزل منسق "ندوة العلماء المسلمين" في عكار والشمال الشيخ عبد السلام الحراش في عكار، الذي أدى إلى مقتل الشيخ بسام المحمود، عضو المجلس الإسلامي العلوي، بالإضافة إلى قتل الشيخ عبد الرزاق الأسمر، خلال اشتباكات في محيط مركز حركة "التوحيد الإسلامي" في أبو سمرا بطرابلس، وإغتيال عضو جبهة "العمل الإسلامي" الشيخ سعد الدين غية.

المشكلة الأساسية في كل هذه الجرائم، كانت في غياب "الفجور" السياسي لدى القوى التي ينضوي تحت لوائها هؤلاء من ناحية، بحسب ما تؤكد مصادر شمالية من هذا الفريق لـ"النشرة"، بالإضافة إلى إهمال أركان قوى الثامن من آذار الأساسيين لحلفائهم في عكار وطرابلس إلى حد بعيد، وكأنّ المطلوب منهم أن يكونوا فقط ورقة بوجه "تيار المستقبل" خلال فترات التوتر السياسي، يتم الإستغناء أو التخلي عنها لاحقاً تحت عنوان "الحفاظ على السلم والإستقرار".

من وجهة نظر هذه المصادر، فإنّ متابعة هذه الجرائم لم تكن بالشكل المطلوب، لا من قبل الأجهزة الرسمية المعنية، بسبب ضعف دور الدولة التي تسيطر عليها القوى الكبرى، ولا من قبل القوى السياسية المعنية، التي كان عليها على الأقل رفع الصوت عالياً، وتشير إلى أن ما يقوم به الفريق الآخر في الحالات المماثلة أمر معروف، وتضيف: "ربما لا يسعنا القول إلا أن الرحمة من الله لهم هي المطلب الأساس".

لا تنفي المصادر الشمالية في قوى الثامن من آذار إمكانية وقوف مجموعات مشبوهة، تريد إنفجار الأوضاع في المنطقة، وراء هذه العمليات، لكنها تشدد على أن السؤال عن التحقيقات أمر ضروري، خصوصاً أن هذا الأمر يتكرر بشكل لافت، والموضوع يتطور في بعض الأحيان إلى إستهداف عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، ناهيك عن العبوات التي تزرع على جوانب الطرقات.

وتعترف بأن عدم الإستغلال السياسي لدى الفريق الذي تنتمي إليه أمر إيجابي إلى حد بعيد، لأنه جنب البلاد في أكثر من مرة الإنزلاق نحو المجهول، وترى أن هذا الموضوع يحسب من ضمن حسناته، في حين أن قيادات الفريق الآخر لم تتنبه في خطابها السياسي في أي مرة لهذا الخطر، لكنها تشدد على أن ذلك لا يعني غياب "العتب"، خصوصاً أن الإهمال لا يتوقف على هذا الجانب، بل يتضمن جوانب أخرى لم يعد يجب السكوت عنها سياسياً.

وتشير هذه المصادر في هذا السياق إلى نماذج كثيرة من اعتقال رئيس مجلس قيادة حركة "التوحيد الإسلامي" الشيخ هاشم منقارة، بسبب إتهامات "مفبركة" وجهت له، بالتورط في قضية تفجيري مسجدي السلام والتقوى في طرابلس، ليتم الإفراج عنه بعد وقت قصير لعدم ثبوتها، دون أن ننسى "مكافأة" من اتُّهِم بالوقوف وراء مجزرة حلبا بمقعد نيابي.

لا تتوقف هذه المصادر عند هذا الحد، بل تذهب إلى الحديث عن أن الخطة الأمنية، التي طبقت في مدينة طرابلس، كانت على حسابها أولاً، خصوصاً أنها أدت إلى "تهجير" مسؤول العلاقات السياسية في "العربي الديمقراطي" ​رفعت عيد​ ووالده النائب السابق علي عيد، في حين أن التوقيفات المقابلة كانت لبعض من اصطلح على تسميتهم على مدى سنوات بـ"قادة المحاور"، بعد أن كانوا محميين سياسيا وحزبيا، وتسأل: "أين هم المسؤولون عن هؤلاء، الذين لا يزالون متوارين عن الأنظار في أماكن معروفة من قبل الجميع، العقيد المتقاعد عميد حمود، على سبيل المثال، الذي يقر الموقوفون بأنه كان المسؤول الأول عنهم؟"

بالإضافة إلى كل ذلك، تشير هذه المصادر إلى أن قوى وشخصيات سياسية، معروفة بخطابها "الوطني"، إضطرت في الفترة السابقة إلى إغلاق مراكزها في طرابلس وعكار بسبب الضغوط التي مورست عليها، في حين لم تلق الدعم المطلوب كي تصمد، وتلفت إلى أن عودتها إلى الساحة في الوقت الراهن لن تكون بالأمر السهل، خصوصاً أن حملات التحريض ساهمت في إضعافها شعبياً على نحو كبير.

في المحصلة، هو "عتب" بين الفريق الواحد، لأسباب سياسية وأمنية، لكن "العتب" الأكبر يبقى على الأجهزة الرسمية المعنية، على أمل أن لا تبقى هذه الجرائم طي النسيان طويلاً.