إننا جميعاً نشعر بالإنتماء إلى هوياتنا، ونمتلئ بالمعتقدات التي تدفعنا إلى الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا وعقائدنا، ونسعى في هذا السبيل إلى الدفاع عن اللهجات، والأشعار ورموز الهوية، ونحن الأكراد لا نشذ عن هذه القاعدة، وتاريخ نضالنا شاهد عظيم على هذه الحقيقة. لقد حاولنا الوصول إلى تعريف للقومية الكردية، واليوم يستغل ذلك البعض كوسيلة للانفصال عن الدولة المركزية في العراق.

بعد عام 1991 ميلادي، ونتيجة لما اقترفه صدام البعثي من خطأ استراتيجي بغزو العراق، وجد الأكراد في العراق الفرصة سانحة أمامهم لتأسيس حكومة نصف محلية في المناطق التي تخضع لسيطرتهم، ومنذ هذا التاريخ وحتى عام 2003 امتلأ هذا الإقليم بالحروب والصراعات الداخلية. منذ عام 2003 وبعد الغزو الأميركي للعراق، مهد الدستور العراقي الطريق لتدعيم الهوية الكردية في هذا البلد، واستطعنا نحن الأكراد إعادة تعريف هويتنا في العراق بشكل أكثر واقعية، إلا أنه لم يمض وقت طويل حتى أكد بعض زعماء أكراد العراق على حق تقرير المصير، أو بمعنى آخر على استقلال كردستان العراق. بغض النظر عن هدف الحكام السياسيين في كردستان العراق من طرح هذا الشعار، فإننا سنحاول في هذه المقالة أن نتناول أبعاد هذه السياسة على أهالي إقليم كردستان، حتى نلمس الحد الأدنى من الحقائق بشكل أكبر.

الفوائد والمصالح الناتجة عن الاستقلال

إن طرح مثل هذه الشعارات بالتأكيد يتضمن توضيحاً للمصالح التي تتحقق للأكراد، والتي يمكن أن نشير إليها باختصار في ما يلي:

1- خلق ملاحم قومية بين أكراد العراق وتعزيز الشعور بالتضامن مع زعماء الإقليم الذين يسعون إلى تحقيق الأمنية القديمة لدى الأكراد وهي الاستقلال. لا يوجد كردي واحد يذكر فكرة الاستقلال بسوء، بل على العكس فالأكراد في كافة أرجاء العالم يعيشون على أمل تحقيق هذا الحلم، وهذا الأمر يساعد على وحدة الأكراد ويقلل الخلافات فيما بينهم.

2- الاصطفاف في مواجهة سائر الأقوام والمذاهب الأخرى في العراق والتي لا تندرج تحت نطاق تعريف الهوية الكردية، مثل العرب والتركمانيين، مما يؤدي إلى الاعتراف بهوية مستقلة للأكراد بالنسبة إلى سائر الأقوام الأخرى، الأمر الذي يراه الأكراد شيئاً إيجابياً.

3- إيجاد شكل حكومي من خلال التعريف بالمصالح الكردية في إطار حكومة -دولة- حيث يستطيع الأكراد الحصول على اعتراف رسمي بهم كدولة مستقلة من جانب المنظمات والدول والمحافل الدولية. إن دولة "كردستان" تستطيع بالتأكيد أن تمنح هذه الهوية للأكراد.

4- خلق عدو افتراضي لإثارة روح النضال بين الأكراد، فلو أن الأكراد أصبح لديهم دولة، فسوف يتمكنون من التعامل مع الاختلافات مع سائر الأقوام والشعوب بشكل أكثر سهولة، فوجود دولة تدافع عن مصالحهم وتسعى لحل مشاكلهم أفضل بكثير من الإقليم أو الحكم الفدرالي.

لا شك أن أغلب المصالح التي يمكن أن تتحقق من استقلال "كردستان" لا تخرج عن هذه النقاط المشار إليها. على الجانب الآخر، فإن استقلال كردستان في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، والوضع الحالي للتغييرات التي تلم بالشرق الأوسط، ونوع اللعبة التي تلعبها القوى الإقليمية والدولية، لا يخلو كذلك من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالأكراد. إن أهم أضرار رفع هذا الشعار تتمثل فيما يلي شرحه:

الأضرار والمشاكل الناتجة عن استقلال أكراد العراق

1- لا شك أن زعماء الإقليم لم يتمكنوا من جلب ثقة المجتمع الدولي وخاصة أمريكا والغرب من أجل المشاركة السياسية والاقتصادية في كردستان العراق في إطار "دولة كردية"، وذلك بسبب معارضتهم لمثل هذه الشعارات، فوجود بعض سفارات الدول الغربية في الإقليم لا يعني تأييد استقلال كردستان، حيث أنهم يرون الاستقرار السياسي فقط في ظل وجود دولة عراقية، ولا شئ غير ذلك.

2- إن الدول العربية ودول الجوار بالنسبة للعراق مثل إيران وتركيا وإن كانوا لا يبدون ردود فعل عنيفة إزاء هذه القضية، إلا أن زعماء الأكراد يعلمون جيداً أن هذه الدول تعارض بشكل جاد مثل هذه الشعارات، كما تعارض كذلك التغيير الجغرافي في المنطقة، وبناء على ذلك فإنه في حال عدم وجود حلول تنفيذية وعملية، سوف يلحق طرح شعار الاستقلال بالمنطقة أضراراً عظيمة.

3- إن إقليم كردستان ليس لديه القدرة على نقل ثرواته ومصادره لغرض التصدير وذلك لعدم اتصاله بالمنافذ المائية، فحتى بترول الإقليم يتم نقله عن طريق دول الجوار. فهل هذه الدول على استعداد لقبول مثل هذا الطرح في ظل هذا الوضع؟

4- إن مشروع استقلال كردستان وعدم التزام الإقليم بالدستور العراقي الذي صوت عليه أهالي الإقليم بأكثرية مطلقة، يحد من ثقة الأخرين في الإقليم، ومن ناحية أخرى فإن سائر الأقليات العراقية لن تقبل كون الإقليم ينفق دخله بشكل مستقل وفي نفس الوقت يطالب بـ 17 في المائة من ميزانية العراق. لقد أدى التأكيد على هذه السياسة إلى خلق مشكلات حقيقية في الحياة المعيشية لأهالي كردستان العراق على مدار العامين الماضيين.

5- إن المستفيد الرئيسي من رفع مثل هذه الشعارات في المنطقة هم الإرهابيون، والدواعش والبعثيون، فالإقليم الذي يربطه بداعش أكثر من 1000 كيلومترات من الحدود المشتركة، إن لم يتمكن من الحصول على مساعدات الدولة المركزية سيقع لا محالة في براثن هؤلاء الإرهابيين، وهذا يعني إلحاق أضرار عظيمة بأهالي الإقليم وبالمنطقة كلها.

6- من ناحية أخرى، فإن هذا العمل سيشكك في وجود السلطات الكردية داخل بغداد، وسيجعل الساسة العراقيين ينظرون إلى صدق الأكراد بعين الشك والريبة.

7- مع طرح هذه الشعارات ستستمر عملية بيع النفط في صمت كما كانت في السابق، فزعماء الإقليم لم يكونوا واضحين قبال هذا الأمر خلال السنوات الماضية، لقد وضعوا أهالي الإقليم في موضع المواجهة مع الدولة المركزية، وعلى ذلك فإن عملية الشفافية ستظل قابعة في حقيبة وزير النفط كما كانت، ومن هنا يقع أهالي الإقليم في مأزق من ناحية، ومن ناحية أخرى يتم نهب الثروة القومية لكردستان العراق.

8- لقد اعتادت الشعوب في ظل العمليات السياسية المتداولة أن يتم تغيير الوجوه السياسية مرة كل عدة سنوات للحصول على نتائج أفضل فيما يخص إدارة شئونهم، لكن الزعماء الحاليين يحكمون إقليم كردستان العراق منذ أكثر من 24 عاماً، وهذا يبعد أهالي إقليم كردستان العراق عن التجربة الديموقراطية.

الأن وبالنظر إلى النقاط المشار إليها، وحقيقة كون إقليم كردستان لا يتمتع ببنية أساسية اقتصادية واجتماعية وسياسية موحدة، وأن داعش هي الجارة الأكبر والأخطر للإقليم، هل يقع طرح شعار الاستقلال على قمة أولويات أهالي كردستان العراق؟ إن بعض الزعماء الأكراد لم يتمكنوا حتي الأن من الاستفادة من مميزات الدولة المركزية لتنمية مناطقهم، إن ما نراه اليوم في الإقليم، ليس نتيجة لبيع نفط الإقليم، ولا نتيجة لحصة الإقليم من ميزانية العراق، بل حدث في ظل الاستثمارات الأجنبية. لذلك علينا أن نسأل كيف سيكون الوضع الحالي في الإقليم، لو أن الإقليم كان يستطيع الحصول على ميزانيته من بغداد ببناء جسور للثقة؟ إن أهالي الإقليم جديرون بأن يستفيدوا من كافة الإمكانات لتنمية مناطقهم، لذلك لا يحق لأحد أن يحرم أهالي كردستان من حقوقهم من خلال طرح مثل هذا الشعار.

الأن ما هو الحل؟ أليس من الأفضل أن نسعى لتحقيق المطالب المشروعة للأكراد في نطاق الدستور العراقي بدلاً من أن تفقد المنطقة ويفقد العالم ثقته في الأكراد؟ لو لم يكن الدستور العراقي منقذاً للأكراد، لماذا لعب الزعماء الأكراد الدور الأكبر في كتابته والتصديق عليه؟ في ظل الظروف التي تتشعب فيها الآراء وتنتشر فيها التناقضات السياسية حول هذا الشأن وسائر القضايا الأخرى داخل الإقليم نفسه، وفي الوقت الذي وضعت فيه الجبهة التكفيرية الأكراد من سوريا حتى العراق على قمة أهدافها على الرغم من التوقعات المبدئية لبعض الزعماء الأكراد، هل يستطيع طرح شعار الاستقلال حل المشكلات المعيشية لأهالي الإقليم؟