يستغرب رسميون غربيون كمّ التصريحات اللبنانية التي تصر على الربط بين مصير المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وايران حول ملفها النووي والاستحقاق الرئاسي اللبناني، حتى أنّهم يستبقون اي سؤال بهذا الخصوص بالتأكيد على ان النقاشات الحاصلة مع طهران لا تتعدى حاليا برنامجها النووي، ويضعون كل ما يُحكى عن انعكاس المفاوضات مباشرة على وضع "حزب الله" في سوريا أو على الأزمة السورية ككل وغيرها من ملفات المنطقة، باطار التحليل البعيد كل البُعد عن الوقائع. وتنقل مصادر رسمية غربية رسالة من واشنطن للبنانيين مفادها الدعوة لعدم ربط الملف الرئاسي بالمفاوضات مع طهران.

وتُعرب المصادر عن أسفها لرضوخ عدد كبير من القادة اللبنانيين لفكرة عدم قدرتهم على انجاز استحقاقاتهم بعيدا عن التدخلات الخارجية، مشددة على أن الظروف الأمنية والسياسية "المتقدمة" التي دفعت باتجاه توقيع اتفاقي الطائف والدوحة غير متوافرة حاليا، "فالأزمة لم تبلغ المراحل التي بلغتها في الأعوام 1989 و2008"، مستبعدة بشكل كلي أن يكون لبنان بصدد مؤتمر جديد يُعالج أزماته بأسلوب "السلة الواحدة" الذي اتبع في السنوات الماضية.

وتقول المصادر: "على اللبنانيين أن يضعوا حدا للفراغ الرئاسي المتمادي من دون انتظار أي اشارات خارجية، للتفرغ بعدها لمواجهة التحديات الأخرى وأبرزها تلك الأمنية المحدقة على الحدود، عدا تلك الاقتصادية والاجتماعية"، متسائلة: "من يستطيع ان يقف بوجه قرار النواب اللبنانيين النزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيسهم؟ ومن هذا الذي سيعترض على شخص الرئيس المنتخب باطار عملية ديمقراطية، ايا كان هذا الرئيس"!

وبالرغم من الاطمئنان الغربي الذي تعبّر عنه المصادر لجهة عدم امكانية تحول لبنان لعراق او سوريا 2، الا أنّها تنبه الى المخاطر الكبيرة التي يتركها شغور سدة الرئاسة والذي شارف على اتمام عامه الأول، لافتة الى تنامي التهديدات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، "والأخطر من ذلك كله مساعي تنظيمي داعش وجبهة النصرة الارهابيين للاستفادة من اللاستقرار السياسي الناتج عن غياب رأس للبلاد للعبث بالأمن". وتضيف: "كيف يمكن للمعنيين أن يتناسوا كل هذه التهديدات ويجلسوا مطمئنين بانتظار ان تقوم قوى خارجية بواجباتهم؟"

ولا يبدو أنّ الموقف الأميركي من مواصفات الرئيس الجديد قد تغيّرت منذ أكثر من 10 اشهر، اذ تؤكد المصادر أن لا مرشح محدد تفضله واشنطن على غيره من المرشحين، كما ان لا فيتو على أي منهم، "أما الاختيار ما بين الرئيس القوي أو التوافقي، فلا نعتقد أنّه يهم، فالمطلوب ملء هذا الفراغ برئيس جيد، يلتزم بالقوانين المرعية الاجراء، يحمي البلاد ويساعد في حل الأزمات المتراكمة على الصعد كافة". وتضيف: "على اللبنانيين حسم أمرهم ايا كان الاتجاه، من ميشال عون وجان عبيد وغيرهما من الأسماء المتداولة...".

وتربط المصادر بين التهديدات التي يواجهها الوجود المسيحي في الشرق وغياب الرئيس اللبناني الذي يتولى "المنصب المسيحي الأرفع في المنطقة"، معتبرة ان استمرار الشغور الرئاسي اللبناني يُضعف المسيحيين في لبنان الذين يواجهون نفس التحديات التي تواجهها المكونات اللبنانية الأخرى. وتضيف: "الجيش اللبناني هنا وبعكس بعض البلدان المحيطة يحمي جميع أبنائه والمسيحيين من ضمنهم، الا ان هؤلاء ولضمان استمراريتهم ووجودهم في هذه الأرض مدعوون للتوافق وانتخاب رئيس".

الا أن كل الدعوات لتحرير الاستحقاق اللبناني من سلسلة الملفات الساخنة في المنطقة، لا تلقى آذانا صاغية بين القادة اللبنانيين، المعنيين الأوائل بعملية فك الارتباط، بما يؤكد احدى النظريتين، فاما هم قاصرون بالرغم من كونهم زعماء حرب عايشوا كل المرحلة السابقة وحرموا الشباب من مراكزهم الحالية، واما هم أصحاب جنسيات أخرى ينفذون أجندات خارجية بعيدة كل البعد عن المصلحة اللبنانية العليا.