لم تأت زيارة وزير الخارجية ​العراق​ية إبراهيم الجعفري الى دمشق في إطار حسابات بغداد فحسب. الجعفري نفسه كان نقل سابقا رسائل بين الأميركيين والسوريين حول ضربات التحالف الدولي ضد "داعش". فماذا حمل الجعفري معه هذه المرة؟

في الشكل أطلقت الزيارة العلاقات السورية- العراقية من جديد، رغم الاستمرار في جمود التعاون المالي والاقتصادي.

أراد الجعفري ان تصل رسالة الزيارة العلنية معززة بكلام صريح عن استعادة زخم العلاقة والاعتراف بالتقصير الذي طبع الفترة الماضية. كلام وزير الخارجية العراقية عن دور دمشق في محاربة الارهاب نيابة عن عواصم المنطقة تُحسب مفاعيله معطوفة على جملة معطيات، منها أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يستعد لزيارة واشنطن قبل تلبيته دعوة الملك السعودي بزيارة الرياض. يريد العراقيون توحيد الجبهات. هم اطلعوا على تفاصيل ما ينوي السوريون فعله. الرسائل على خطين.

معلومات تداولها مطّلعون عن نية بغداد التقريب بين القوى الفاعلة التي تقاتل "داعش". قيل انها حصلت على ضوء أخضر إيراني، رغم ان القيادة في طهران رفضت علناً البحث مع الأميركيين في شأن ساحات المنطقة واقتصار المفاوضات على الملف النووي كما ورد في تصريح مرشد الجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي. قد يكون التصعيد جزءا من المواجهة وتحسين شروط التفاوض.

تعتقد القيادة العراقية انها قادرة على لعب دور الجمع بعد تجارب التعاون الاستخباراتي عبرها بين طهران وواشنطن ودمشق والتواصل مع الرياض.

على خط آخر ترصد القاهرة أي حراك إقليمي. تلعب حتى الآن دوراً خفياً خجولاً تطمح لتطويره. حكي عن نية المصريين إيفاد وسيط الى طهران لترتيب العلاقات المأزومة مع الجمهورية الاسلامية بفعل دعم طهران للإخوان المسلمين. المعلومات ذكرت ان دمشق تلعب دوراً أساسيا للتقريب بين القاهرة وطهران. لكن الجهود تقتصر على دور استخباراتي ولم ترتق الى محاولات سياسية لا تزال مفقودة بين المصريين والسوريين حتى الآن، بفعل رغبة القاهرة عدم إغضاب السعوديين.

الأشهر الماضية شهدت تنسيقاً استخباراتياً سورياً - مصرياً محدوداً، وعراقياً - سورياً مفتوحاً. القاهرة وبغداد هما على تواصل دائم مع واشنطن، ما يعني وجود خطوط تصل العواصم ببعضها البعض.

في الخليج بدأت تطفو الى الواجهة أسئلة عما جنت السعودية في الحرب السورية؟

الإيرانيون وسعوا نفوذهم و "الدواعش" باتوا قوة لا يستهان بها. من هنا تكثر الدعوات عن وجوب الاعتراف بأن تنظيم "داعش" هو الخطر الوجودي على الخليجيين.

في المملكة السعودية ترتفع أصواتٌ مطالبة بحسم الموقف نهائياً من الملف السوري، تحديداً بالسياسة بعد فشل الرهان على الخيارات العسكرية الميدانية. تحاول القاهرة من جهتها ان تدفع بهذا الخيار الى الامام، لكن موقفاً سعودياً آخر لا يزال يتمسك بالقتال سبيلاً لكسب النفوذ. لم ييأس اصحاب هذا الرأي بعد، بفعل رهان على دور مسلحين ممولين جيدا وخصوصا في مناطق حدودية مع الأردن جنوباً او شمالا قرب تركيا.

هناك من يقول في السعودية أن المزيد من الإستنزاف في سوريا سيدفع ​ايران​ لمزيد من التوسع اقليمياً. يستند اصحاب هذه النظرية الى ما حصل سابقاً: أين كانت ايران عام 2011؟ وكيف تدرج التوسع؟ اليوم وصلت الى اليمن وباتت تسيطر طهران عبر حلفائها على مضائق و مساحات شاسعة، بينما يضيق الخناق على الخليج بفعل تهديد "داعش" دوله. أصحاب هذا الرأي يشيرون أيضاً الى امكانية عقد اي اتفاق أميركي - سوري - إيراني مستقبلاً يمكن أن يتجاهل اي دور للسعودية في شأن سوريا والمنطقة. ما يعني ان المطلوب اقتراحات سعودية تقوم على اساس سياسي وليس ميدانيا.

فهل يولّد الاختلاف في وجهات النظر الخليجية تناقضاً إزاء الملف السوري ينسحب لاحقاً على كل ساحات المنطقة فيضعف الموقف الخليجي و يؤدي الى مكاسب إيرانية كما يجري الآن في اليمن والعراق وسوريا؟