بحسب التقارير الدَوليّة التي تُؤرّخ الحرب ال​إيران​ية-العراقيّة في ثمانينات القرن الماضي(1)، فإنّ نظام الرئيس العراقي السابق صدّام حسين إستفاد من مساعدات مالية ضخمة من دول الخليج لتمويل حربه ضد "الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة"، منها نحو 31 مليار دولار أميركي من المملكة العربيّة السعوديّة، إضافة إلى مساعدات أقل من الكويت والإمارات العربيّة المتحدة. واليوم، وفي زمن الإنفلاش الإيراني في أكثر من دولة عربيّة تستفيد مباشرة من دعم طهران، أكان بالمال أو بالسلاح أو حتى بالرجال، فإنّ فترة "الحرب الباردة" بين إيران ودول الخليج تتحوّل أكثر فأكثر إلى "حرب ساخنة" في أكثر من مكان وموقع.

وأحدث الدلالات على هذا التدهور السريع والمُتصاعد يتمثّل في مُواصلة تنظيم "أنصار الله" اليمني الهجمات في جنوب اليمن، وهو حشد قوّاته في محيط مدينة تعز، تمهيداً لاقتحامها، ليقترب "الحوثيّون" عندها كثيراً من مدينة عدن التي تقع على بُعد 80 كيلومتراً فقط غرب مدينة تعز، والأخطر ليصبحوا على مسافة قرية جداً من الساحل المُطلّ على مضيق "باب المندب" الإستراتيجي، والذي يربط بين خليج عدن والبحر الأحمر(2).ودفعت هذه التطوّرات الميدانية المُهمّة في اليمن بوزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، إلى إطلاق تحذيرات هي الأولى من نوعها بشأن إحتمال تدخّل دول الخليج بشكل مُباشر في النزاع في اليمن، حيث شدّد في تصريح له أخيراً على أنّه "إذا لم يتمّ إنهاء الإنقلاب الحَوثي سلمياً، سنتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة"(3)، وذلك بعد ساعات من طلب وزير الخارجية اليمني، رياض ياسين، من دول الخليج بتدخّل قوّات "درع الجزيرة" في اليمن لحماية ما تبقّى من شرعيّة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وتزامنت هذه التصريحات مع تفقّد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان مدينة جازان الحدودية مع اليمن، حيث أعطى توجيهاته للقادة العسكريّين بتعزيز المنظومة العسكريّة بشكل سريع على طول الحدود المُشتركة حيث كانت السعودية قد بنت في العامين الماضيين جداراً فاصلاً بطول نحو 2000 كيلومتر(4).

وبحسب مُحلّلين غربيّين، إنّ الوضع المتأزّم في اليمن لم يعد مُجرّد إشتباكات بين أكثر من طرف يتنازعون السلطة، بل صار أقرب إلى تحوّل إستراتيجي في المنطقة. وأجمعت الآراء على أنّ دول الخليج لا يُمكن أن تقبل، أو حتى أن لا تُواجه، التمدّد العسكري الإيراني عبر قوّات صديقة على طول الحدود السعودية. فالتردّد السعودي السابق الناجم من عدم الرغبة في إنتشار مُسلّحين موالين لتنظيم "القاعدة" الإرهابي قرب حدودها، صار اليوم من الماضي، لأنّ التطوّرات الميدانية في اليمن، جعل أكثر من دولة بموقع المَعني مباشرة بالتطوّرات في اليمن. فدول الخليج لا يُمكنها أن توافق على إنتشار قوات موالية لإيران على طول حدودها في ظلّ دقّة الأوضاع في البحرين والسعودية وغيرهما، ومصر لا يُمكنها أن توافق بدورها على تحكّم طهران بوارداتها وصادراتها البحرية عبر مضيق "باب المندب"، والدول الغربيّة الكبرى لا يُمكنها أن توافق من جهتها على سيطرة إيران على منفذ بحري إستراتيجي ثان يضاف إلى سيطرتها على مضيق هرمز الإستراتيجي أيضاً. ولفت المُحلّلون أنفسهم إلى أنّ أيّ تدخّل عسكري مباشر من قبل قوّات خليجية في اليمن لن يكون مُجرّد نزهة، بل يعني فتح معركة كبرى لا يُمكن التكهّن بنهايتها، لأنّ الوضع في اليمن يختلف عن الوضع في البحرين، فالمسألة ليست عبارة عن مواجهة متظاهرين سلميّين كما كانت الحال عليها في المنامة في آذار 2011، بل عبارة عن مواجهة مع عشرات آلاف المُسلّحين، حيث تؤكّد كل التقارير الواردة من اليمن أنّ "الحوثيّين" وبمساعدة إقليمية مباشرة من أكثر من طرف، قاموا في السنوات الثلاث الماضية بتدريب نحو 30,000 شاب على القتال، والعمل متواصل لتدريب عشرات آلاف الآخرين، الأمر الذي يُفسّر تنامي قوّتهم العسكريّة والقتالية.

إشارة إلى أنّ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز سيرأس وفد بلاده إلى القمّة العربيّة السادسة والعشرين التي ستُعقد في "شرم الشيخ" في 28 و29 من الشهر الحالي، والتي يُنتظر أن تتركّز المحادثات فيها على سُبل حماية أمن الدول العربيّة، لجهة مواجهة توسّع النفوذ الإيراني في أكثر من دولة عربيّة، ولجهة سيطرة تنظيم "داعش" على أكثر من منطقة وقيامه بعمليّات إرهابيّة في غير موقع، إضافة طبعاً إلى بحث الوضع في سوريا وفي الأراضي الفلسطينيّة والعلاقات العربيّة-العربيّة، إلخ.

وفي الخلاصة، الأكيد أنّ الأمور في اليمن بلغت تقاطعاً فاصلاً حيث أنّ الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة ستُحدّد ما إذا كانت التطوّرات الميدانية ستفرض تسويات تتضمّن الكثير من التنازلات من جانب دول الخليج، أم ستُسفر عن إنزلاق تدريجي للأمور نحو المواجهة العسكرية الواسعة، لتدخل كل من إيران والأطراف الحليفة من جهة والسعودية والأطراف الحليفة من جهة أخرى، في "حرب ساخنة" أعنف بكثير من "الحرب الباردة" السابقة بينهما.

(1)إستمرّت الحرب الإيرانيّة-العراقيّة من العام 1980 إلى العام 1988، وأوقعت نحو مليون قتيل لكل منهما إضافة إلى ضعف هذا العدد من الجرحى، وخسائر مالية وإقتصادية جسيمة، علماً أنّها إنتهت من دون تحقيق إنتصار فعلي لأيّ منهما.

(2)يشهد مضيق "باب المندب" يومياً حركة ملاحة بحريّة ناشطة، وهو يفصل "الجزيرة العربيّة" عن القارة الإفريقية، ويُشكّل ممرّاً إستراتيجياً لكل من مصر وإسرائيل وغيرها من الدول.

(3)بعد إجتماع وزير الخارجية السعودي مع نظيره البريطاني، فيليب هاموند، في الرياض الإثنين الماضي، إتهم الفيصل إيران بممارسة "سياسات عدائيّة" وبالتدخّل في دول المنطقة، رافضاً منحها ما وصفه "صفقات لا تستحقّها" في إشارة إلى الإتفاق النووي المُرتقب مع الغرب. كما أكّد الفيصل أنّ "أمن اليمن من أمن دول مجلس التعاون الخليجي"، رافضاً ما وصفه بالإنقلاب الحوثي الذي "يهدّد أمن واستقرار اليمن والمنطقة والعالم".

(4)يمتدّ الجدار الفاصل بين السعودية واليمن من البحر الأحمر غرباً إلى حدود سلطنة عمان شرقاً، ويبلغ إرتفاع هذا الجدار المُكهرب ثلاثة أمتار وهو مُزوّد بكاميرات مُراقبة وبأنظمة رصد إلكترونيّة.