في المقابلة التلفزيونية التي أجراها الزميل جورج صليبي في برنامجه على شاشة النيو تي في الأسبوع في ساعة مع الرئيس السابق العماد ميشال سليمان، سئل الرئيس سليمان:

لماذا لم تردَّ على العماد ميشال عون؟

فإستشهد بقول للمهاتما غاندي الذي سُئل:

لماذا لا تنتقم من أعدائك؟

فأجاب:

لأنني لا أستطيع أن أقضي عمري في الجري وراء كلب لأعضَّه كما عضَّني.

بالطبع ذُهِل جورج صليبي بما سمع فحاول أن يُخفِّف من وقْع الجواب، لكن الرئيس بدا أنَّه مصرٌ عليه.

ذُهِل كثيرون من المشاهدين أيضاً، ولا سيّما أولئك الذين تسنَّى لهم الإطلاع على سيرة المهاتما غاندي، فكانت ردة فعلهم أن مَن يريد الإقتباس من المهاتما غاندي عليه أولاً أن يتشبَّه به لا أن يستشهد به فقط.

***

القول الذي تمَّ الإستشهاد به للمهاتما غاندي هو واحدٌ من آلاف آلاف الأقوال التي قالها مؤسس حركة اللاعنف في العالم، وهي أقوال لم تكن تُقال للترف الفكري بل لنضال الشعوب من أجل نيل حريتها وتحقيق إكتفائها وخروجها من تحت نير الإستعمار والعبودية والفقر والعوز، فحركة اللاعنف الكامل أدت إلى إستقلال الهند وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم. سُمي المهاتما أي الروح العظيمة، كما سُمِّي أبو الأمة، حيث أنه في عيد ميلاده في الثاني من تشرين الأول يُحتفل في الهند على أنه عطلة وطنية، كما أنَّه اليوم الدولي للاعنف. هذا نذرٌ يسيرٌ من عظمة غاندي، ومن الضروري معرفة هذه الحقائق.

***

أكثر من ذلك فإنَّ غاندي لا يؤخَذ غبّ الطلب، بل يؤخَذ بكلِّيته لجهة نمط عيشه والتقشف الذي مارسه على نفسه قبل أن يطلبه من الآخرين، كما أنَّ ما كان يقوله غاندي كان يطبِّقه على نفسه. إرتدى غطاءً وشالاً ثم نسجهما يدوياً، وصام فتراتٍ طويلة كوسيلة للتنقية الذاتية، فأين بأيامنا هذه من أداء وأسلوب غاندي؟

***

لم يرد في كتب التأريخ التي أرَّخت لحياة غاندي الذي استُشهد بثلاث رصاصات، أنَّه إهتمَّ بأيِّ شيءٍ دنيوي، لم تُغْرِه عقارات في نيودلهي ولا استثمارات لعائلته، لم يكن شغفه التعيينات لمحظوظين ولا المنافع لميسورين، كان يعرف أنَّ رسالته أبعد من الرفاه لنفسه، لم يهتم بعامل الإستثمار ولا بعقارات مجمَّدة. لم يهتم غاندي بسلسلة الجبال لأن كل همه كان البشر لا الحجر، فلم يهتم بالمقالع والكسارات في جبال هيملايا ولا في جبال ماكالو أو القمة العريضة، لم يذكر التاريخ شيئاً عن الإثراء غير المشروع ولم يُذكَر شيء عن آل غاندي.

***

قال غاندي أشياء كثيرة غير ذلك القول الآنف الذكر. ومما قالَهُ:

هناك كفايةٌ في العالم لحاجةِ الإنسان ولكن ليس لجشعه.

هناك أناس في العالم على درجة من الجوع المادي إلى حدِّ أنَّ الله لا يمكن أن يظهر لهم إلا في شكل مائدة.

الضعيف لا يمكن أن يغفر أبداً، الغفران هو سمة الأقوياء.

الجبان غير قادر على إظهار المحبة فهي من سِمات الشجعان.

كيلو عمل أهم من طن من المواعظ.

ومن أعظم الأقوال لدى غاندي:

كُن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم.

***

المفترض أن نتعلم من تعاليم غاندي ومبادئه التي تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد، ملخصُّها الشجاعة والحقيقة واللاعنف ضدَّ الجهل والفقر.

وكما قال عنه عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين إنَّ الأجيال القادمة لن تصدق أنَّ رجلاً من لحم ودم كان على هذه الأرض مثل غاندي.

بالخلاصة إختصار سيرة ومسيرة وفلسفة غاندي بقول واحد هو إنتقاص فاضح من عظمة هذا الإنسان.