في مقال سابق نُشر منذ بضعة أيّام، تحدّثنا عن تحوّل العلاقات بين ​إيران​ والسعودية من باردة إلى ساخنة، لتأتي الأحداث المُتسارعة جداً بشكل فاق أكثر التوقّعات سلبيّة، لترفع من وتيرة المواجهة بين الطرفين إلى مرحلة خطيرة في فترة زمنيّة قياسيّة. وفي ظلّ إستمرار "عاصفة الحزم" التي هي عبارة عن غارات جويّة كثيفة تقودها المملكة العربيّة السعوديّة بدعم من قوى خليجيّة وعربيّة ضدّ أهداف في اليمن، تعدّدت "السيناريوهات" المُحتملة بشأن الإتجاه الذي ستسلكه التطوّرات في اليمن خلال الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة. فما هي أبرز هذه "السيناريوهات"؟

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه يوجد في اليمن حالياً خمسة أطراف مُستقلّة بعضها عن بعض وتتوزّع السيطرة على أجزاء من اليمن، ولوّ في ظلّ إختلاف كبير في المساحات الجغرافيّة الخاصة بكلّ منها، وهي:

أوّلاً: جماعة "أنصار الله" المدعومة من إيران، والتي وسّعت سيطرتها الميدانيّة تدريجاً على اليمن، عبر موجات مُتتالية من الهجمات العسكريّة وصولاً إلى مشارف صنعاء، مُسقطة بالقوّة كل التسويات والإتفاقات السابقة.

ثانياً: قوّات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي إلتقت مصالحه مع مصالح "الحوثيّين" للإنتقام من خصومه الذين أجبروه على التنحّي عن السلطة بعد أن حكم اليمن من العام 1978 إلى العام 1990.

ثالثاً: قوات الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي الذي كان إنتخب في 25 شباط 2012 كتسوية لثورة شباط 2011، علماً أنّ هذه القوّات مدعومة من ميليشيات شعبيّة، ومن دول الخليج على المستوى الخارجي.

رابعاً: جماعات إسلاميّة مُتشدّدة محسوبة على تنظيم "القاعدة" الإرهابي تسيطر على بعض المناطق في جنوب اليمن.

خامساً: ميليشيات شعبيّة وقبليّة تابعة لما يُسمّى "اللقاء المُشترك" الذي يتكوّن من تيّارات مختلفة، منها يساري ومنها إسلامي، علماً أنّ أحزاب "اللقاء" المذكور كانت لعبت دوراً حاسماً في إسقاط حُكم صالح، لكنها لم تدخل في أيّ قتال مع الحوثيّين.

ويُعاني اليمن أيضاً من خلافات مذهبيّة بين الشيعة والسنّة، ومن صراعات قبليّة عميقة، ومن ذيول للإنقسام السابق بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، إلخ.

وأجمع أكثر من محُلّل غربي على أنّه في ظلّ هذا الواقع الإنقسامي المُعَقد، من الصعب جداً تخيّل حدوث هجوم برّي إنطلاقاً من الحدود السعوديّة، لأنّ نجاح أيّ عمليّة من هذا النوع، مرهون بوجود بيئة شعبيّة حاضنة. وهذا غير مُتوفّر سوى على مساحات مُحدّدة وفي مناطق مُعيّنة من اليمن، ما يعني إستبعاد هذا الخيار إلى مرحلة لاحقة، وتحديداً إلى حين فشل كل الخيارات الأخرى، إلا في حال قرّرت الرياض رفع مستوى ضغطها عبر التقدّم برّاً، بهدف إظهار جدّية أكبر في السقف الذي يُمكن أن تبلغه حملتها العسكريّة الجويّة الحالية. وتوقّع هؤلاء المُحلّلين أن تستمر في المرحلة الراهنة حملة الغارات الجويّة على مزيد من الأهداف العسكريّة التابعة لجماعة "أنصار الله"، مع إمكان نشر قوى برّية في مناطق مُحدّدة من جنوب اليمن بشكل خاص. وبعد أن تكفّلت الجولة الأولى من الغارات بضرب وتدمير القواعد الجويّة الخمس الواقعة تحت سيطرة "الحوثيّين" من أصل سبع قواعد في اليمن، وبعد ضرب أنظمة الرصد الراداري وبطاريات صواريخ "سام" الدفاعيّة، وتدمير مواقع قيادية ومخازن ذخيرة، فإنّ التوقعات بشأن الجولة الثانية من القصف تُشير إلى إستهداف أكبر لأفواج الحرس الجمهوري واللواء 33، وكلاهما من القوى التي لا تزال موالية للرئيس السابق صالح والتي كان لها دور مركزي في طرد قوّات الرئيس هادي من مواقعها في الأيّام القليلة الماضية. وستدعم الغارات الجويّة قوّات الرئيس هادي والميليشيات الشعبيّة التي تُناصره، لإستعادة سيطرتها على مناطق كانت فقدتها أخيراً تحت وطأة هجمات الحوثيّين في بعض الأماكن، وهجمات قوات الرئيس السابق صالح في أماكن أخرى. ومن المُنتظر أن يُعزّز التحالف بقيادة السعودية الحصار الجويّ والبحري المفروض على مطارات وموانئ اليمن كافة، وذلك بهدف قطع الطريق على أيّ محاولة لمدّ الحوثيّين بجسر جوّي للأسلحة من قبل إيران. كما ستعمل قوّات "التحالف العربي" على تأمين عبور السفن في مضيق "باب المندب" بشكل آمن، حفاظاً على مصالح مصر وغيرها من الدول العربيّة والغربيّة أيضاً. والهدف الأكبر يبقى في إعادة الهيبة إلى الرئيس هادي وسلطته على أكبر مساحة ممكنة من اليمن.

وعلى المُستوى السياسي، ستنطلق القيادة السعودية من الورقة العسكريّة التي رمتها على الطاولة، لتُصبح كلمتها مسموعة أكثر في أيّ مفاوضات غير مُباشرة مُحتملة في المُستقبل بشأن مصير اليمن، بعد أن كاد نجاح الحوثيّين العسكري أن يسحب كل الأوراق من أيدي مختلف الأطراف المتنازعة في اليمن، بفعل الأمر الواقع الميداني. ولا شكّ أنّ فرص التوصّل إلى تسوية تقاسم سلطة جديدة في اليمن ستصير أعلى مُستقبلاً، في حال إستمرار الحملة العسكريّة، وبالتالي في حال تصحيح ميزان التوازن على الأرض والذي كان مائلاً بشكل مُفرط لصالح الحَوثيّين في الأيّام القليلة الماضية.

أمّا في حال إختيار جماعة "أنصار الله"، ومن خلفهم إيران، خيار المُواجهة العسكريّة، والقيام بردّ ميداني حدودي على الجيش السعودي لجرّه إلى معركة إستنزاف على غرار ما حصل بينهما في العام 2009، لكن على مستوى أوسع وأشمل وأخطر هذه المرّة، فعندها سيكون التدهور العسكري مفتوحاً على كل الإحتمالات، ومنها إمكان إرسال قوّات برّية سعودية وعربيّة إلى داخل اليمن، في مقابل محاولات تقدّم برّي للحوثيّين إلى الداخل السعودي.

في الختام، الأكيد أنّه لم يعد بإمكان السعودية، ومعها مجموعة من الدول العربيّة والخليجيّة الحليفة، التغاضي عن التحوّلات الجذريّة الحاصلة في اليمن، لأنّها تُهدّد نُفوذها الإقليمي الذي يتراجع بشكل متسارع أمام تنامي النفوذ الإيراني، وتنعكس على أمنها وإستقرارها الداخلي. والأكيد أيضاً أنّ السعودية ومن معها يضعون ثقلهم لإفشال الإتفاق النووي الإيراني-الغربي، ويُحاولون عرقلته بمختلف الوسائل الممكنة. والأكيد أيضاً وأيضاً أنّ عمليّة "عاصفة الحزم" ستتواصل في محاولة لإعادة التوازن الميداني إلى الساحة اليمنيّة، تمهيداً لأيّ تسوية سياسيّة مُحتملة في المُستقبل. لكن ما هو غير أكيد يتمثّل في طبيعة الردّ الذي سيختاره "الحوثيّون" ومن خلفهم إيران، بعد أن صارت المعركة معهم مُباشرة عبر السعودية ودول الخليج وغيرها، وليس بالواسطة عبر جماعات مُسلّحة مدعومة من هؤلاء. وفي حال كان الردّ عسكرياً، في محاولة لإدخال الجيش السعودي في حرب إستنزاف، فإنّ التدهور المُنتظر سيكون كبيراً وواسعاً وسريعاً... وذلك على مستوى أكثر من موقع في منطقة الشرق الأوسط التي تتآكلها النيران أساساً.