فرضت عملية «عاصفة الحزم» التي قادتها السعودية واقعاً جديداً في الصراع الدائر على «ساحات الاقليم العربي»، اذ بعد هذه الانتفاضة السنية لم يعد بإمكان الجمهورية الايرانية الاسلامية، التحرك سياسياً عسكرياً وأمنياً وكأن لا تحالف عربي - اسلامي من عدة دول وبينها باكستان «النووية» المحاذية لها انضوت في هذا التحالف الذي قصفت طائراته قوات الحوثيين الذين تمددوا في «فيتنام» اليمنية دون تقدير لعواقب هذه الخطوات غير القابلة للنجاح في داخل بيئة مضادة او مضطهدة من قبلهم مع ما تحمل ردات الفعل من ابناء هذه البيئة من اعمال تعكس رفضها لهم.

وقد كانت السعودية حسب اوساط مراقبة، استجمعت مؤخرا كل اوراق المواجهة من خلال «تنقية» العلاقات داخل دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها قطر ووثقت تواصلها مع كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، قبيل الوصول الى ساعة الصفر وانطلاق هذه العملية في تزامن ملفت، مع عودة المفاوضات بين الجانبين الدولي والايراني في لوزان، وايضاً في الوقت ذاته مع اعلان واشنطن عن مباشرة قوات التحالف مساندة القوات العراقية في بلدة تكريت ضد تنظيم «داعش» الارهابي.

وبذلك فإن واشنطن التي واكبت حركة التنسيق والتحضير للتحالف المشارك في عملية «عاصفة الحزم»، ام انها كانت متحفظة عن تشكيله، وهو الواقع المستبعد، قد وجدت في هذه «الانتفاضة» ضد ايران، ايضا ورقة تمكنها من مواجهة طهران بها، بأن الدول العربية - الاسلامية قد «تحركت» وانتفضت كرد على ممارساتها ضد ابناء المنطقة من السنة على مدى الاقليم، بما يجعل الادارة الاميركية تتعاطى في الايام الاخيرة من مراحل «الكباش» النووي آخذة بعين الاعتبار ان ثمة ردعاً يمكن ان يمارس ضد الاداء الايراني الذي طالما هددت به الجمهورية الايرانية معظم الدول من خلال عدة اعمال وحروب احدثتها في المنطقة.

واذا كان القرار الاميركي بالمشاركة جوياً في العمليات العسكرية ضد «داعش» في تكريت، يندرج ربما في خانة ارضاء واشنطن اصدقاءها كما حلفائها في غير مكان، الا انه ايضا قرار يدل على ان العمليات التي يقودها قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني وصلت امام حائط مسدود، بما بات يتطلب دخولاً مباشرا لقوات التحالف لانقاذ هذه القوى التي لن تتمكن من القضاء على «داعش» اي ان القدرة الايرانية العسكرية تتطلب دعما من واشنطن، وفق اشارة واضحة الى ان الواقع الذي صورته ايران عن ذاتها، مخالف لما دلت عليه الوقائع الميدانية.

والى ذلك فإن التوازن الذي ارسته السعودية بعيد عملية «عاصفة الحزم» يعيد الى الذاكرة موقفها من الازمة في البحرين من خلال تأسيسها لقوات «درع الجزيرة» في خطوة تدل على ان الدور الهادىء للسعودية او اسلوب «النفس الطويل»، لا يبقيان على حالهما اذا ما كان تعرض او تهديد لدول عربية ام قاربت التهديدات امنها القومي - كما حصل مؤخرا في اليمن بعد تمرد الحوثيين الى عدن ومشارف باب المندب... مع ما تحمل هذه السيطرة الحوثية - الايرانية من مخاطر وتهديدات عسكرية واقتصادية تتعدى الاعتبارات السعودية.

وبعيداً عن موقف امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بعيد العملية العربية - السنية ضد ايران على ارض اليمن، ومترتبات المواقف في هكذا صراع يمثل «حزب الله» احد اطرافه على ارض الاقليم بشقيه السياسي في لبنان والعسكري في سوريا، اذ كان «حزب الله» حسب اوساط سياسية مطلعة على مواقفه غير مرتاح الى ما كان اعلنه مسؤولون ايرانيون عن التوسع الامبراطوري والتمدد في المنطقة، نظراً لما تعكسه من ردات فعل تجعله اكثر فأكثر في الصفوف الايرانية المقاتلة ومتباعدا عن البيئة التي هو منها ويتواجد فيها داخل التركيبة اللبنانية، لكن «الابتهاج» الايراني تتابع الاوساط بكون طهران تفاوض الدول الخمس زائداً واحداً، جعل ايران لا تراعي ما ترتبه مواقف مسؤوليها وجعلها تشعر وكأنها قوة امبراطورية في مواجهة العالم، وهي باتت في واقع متوازن معه.

اذ بعيداً عن مواقف السيد نصرالله فإن التخوف من رد ايراني على الحلبة اللبنانية، غير قابل للترجمة الميدانية، نظراً لحاجة الحزب والنظام السوري الى الاستقرار لتكون لبنان يشكل البوابة الاقتصادية - المالية لهما. ولذلك فإن القلق لن ينتقل الى عامل اجرائي... اذ ان «حزب الله» قرر صم اذنيه عن الكثير من الاحداث والمواقف والشهادات على قاعدة انه لم يرَ سبباً لأي موقف متشنج من جانبه... سيما ان «الفيتنام» السورية تستهلك منه طاقات كبرى وخسائر واضحة تدفعه الى عدم توسيع الجبهات او زيادتها.