لم يشأ رئيس مجلس النواب نبيه بري التعليق على تطورات الحدث اليمني وقيام السعودية وعدد من البلدان بتنفيذ سلسلة من الغارات الجوية ضد مواقع الحوثيين في صنعاء ومناطق أخرى والعمل على عدم سيطرة "انصار الله" على عدن.

بعيد البدء بـ "عاصفة الحزم" سارعت قيادات لبنانية الى تأييدها وفي مقدمها الرئيس سعد الحريري في مشهد يظهر حقيقة انقسام اللبنانيين ازاء تطورات الاحداث في المنطقة، بدءاً من دمشق وصولاً الى جمهورية اليمن غير السعيدة، والتي تحلق في فضائها "طيور التقسيم" وضرب وحدتها لتسير في ركاب السودان.

وفي لحظات حساسة من هذا النوع يمارس بري سياسة التروي ويتبع اسلوب عدم الرد السريع، خصوصاً حيال حساسية الخطوة التي لجأت اليها السعودية وحلفاؤها في انتظار قراءة اطول لمسار التطورات.

وبعد ادلاء الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بدلوهما حيال الحدث اليمني وتأييدهما للمملكة ورد الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مساء أمس، لن يطول تريث بري في اضافة رؤيته وتصوره للتطورات اليمنية وانعكاسها بالطبع على أكثر من ملف ساخن في المنطقة وخصوصاً في سوريا.

ويبقى مرد عدم مسارعته الى الرد على "أسئلة يمنية" حرصه الشديد على ابقاء "شعرة معاوية" بينه وبين المملكة، اذ لم يسجل له انه انتقدها، لأنه يعرف موقعها جيداً في خريطة البلدان العربية والحساسية التي تحكم علاقاتها بطهران، في وقت توضع الحروف الاخيرة على الاتفاق النووي بين ايران والولايات المتحدة الاميركية والذي تخشى مفاعيله بلدان الخليج. ولا يعني هذا الكلام ان لا ملاحظات لدى بري حيال السياسة السعودية، في وقت تستغل اسرائيل الخلافات العربية – العربية والعربية – الايرانية.

والواضح ان بري لن يفرط بعلاقته مع الرياض، ولذلك لم يوجه "برقية عاجلة" يعبر فيها عن معارضته لاسلوبها العسكري في اليمن، لأنه لا يريد اشعال الحساسية السنية – الشيعية أكثر في المنطقة وانعكاسها السلبي على لبنان ورعايته للحوار القائم بين "حزب الله" و"تيار المستقبل".

لكل هذه الاسباب وسواها قرر الصمت ليحافظ على هذا الجسر، لأن أي كلمة تصدر من عين التينة وتحمل في طياتها أي نقد أو توجيه السهام الى السعودية فإن أولى ارتداداتها ستصيب طاولة الحوار وتخرب ما عمل على بنيانه مع المملكة طوال اعوام، وسيكون لمردود موقفه صدى أكبر مما يقوله نصرالله والحريري من موقعهما المختلفين. ولا أحد ينكر على بري تاريخه في الحفاظ على الوصل العربي ودفاعه التاريخي عن موقع مصر وسوريا والسعودية في وسط عنقود تتبعثر حبات خريطة بلدانه.

وفي خضم سخونة الطقس اليمني هذه الايام يحلو لبري ان يتذكر القيادي اليمني عبدالله الاحمر الذي يصفه بـ"الحكيم" لأنه اتقن فن التعامل بالفطرة في ادارة شؤون بلاده وحسن تعاطيه مع قبائل هذا البلد التي تخرج من حرب وسرعان ما تقع في أخرى.

وفي الزيارة الاخيرة الى صنعاء عام 2001اصطحبه الاحمر في سيارته – السائق كان يخزّن القات - الى احدى المناطق الريفية، واثناء سيرها عند أحد المنعطفات الجبلية الخطرة طلب الاحمر التوقف، ثم توجه الى راعٍ للاغنام وسأله "كيفك يا محمد" فرد عليه: "أهلاً وسهلاً عبدالله" من دون أن يشير الى

لقبه.

استوقفت هذه الواقعة بري ودفعته الى مصارحة صديقه: "أنت تشكل ضمانة لوحدة اليمن واستمرارها، وعندما ترحل بلدك مهدد بالتقسيم والتفتت".

يقول رئيس المجلس عن الاحمر، (توفي في كانون الثاني 2007)، ان أولاده لم يحافظوا على هذا الارث من بعده، وهو من "قماشة" الشخصيات القليلة التي تتمتع بهذه الصفات.

ونسأل بري مجدداً الى أين يتجه اليمن؟ لم يجب مرة أخرى. ويكسر صمته هذا القول: "الشرق يقوم على شخص"، في اشارة الى فقدان اليمن في أيامه السوداء هذه حكمة الاحمر.