استمرت كرة الثلج اليمنية بالنمو ووصلت الى حد التدخل العسكري الخارجي وتحديداً السعودي، وهو كان مرتقباً وانما تأخر لبعض الوقت.

وبعد فترة من الانتظار تمكن فيها الحوثيون من فرض سيطرتهم على اليمن، قررت السعودية التدخل وسط تأييد عارم من الدول العربية والغربية وحتى الافريقية (الجزائر لم تؤيد التدخل العسكري). ولكن ما سر توقيت هذا التدخل وحجمه واهدافه؟

اولاً من حيث التوقيت: انتظرت السعودية حتى عشية انعقاد القمة العربية، وحصول اكثر من زيارة لوزير الخارجية الاميركي جون كيري الى الخليج ولقائه نظرائه في هذه الدول، للقيام بغارات جوية على اليمن.

هذا الانتظار مرده الى امرين اساسيين: الاول، هدف الى عدم التسبب بـ"نقزة" للاميركيين الذين انغمسوا بالمفاوضات مع ايران بشأن البرنامج النووي، وباتوا على قاب قوسين او ادنى من توقيع هذا الاتفاق بشكل رسمي. فالاتفاق اكتسب صفة "الشخصي" بالنسبة الى الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي نزل الى ساحة المواجهة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، وحتى مع اعضاء الكونغرس، للدفاع عن المفاوضات التي يجريها ويعطي الامل بابقاء فرص الاتفاق حيّة رغم كل شيء.

لذلك، انتظرت السعودية حتى حصلت على ضمانة بـ"غض نظر" اميركي، بحيث تم التأكد من ان ما يجري في اليمن لن يؤثر على مسار المفاوضات.

اما الامر الثاني، فكان توسيع مروحة المشاورات وضمان عدم حصول مناوشات ولو خفيفة في القمة العربية التي تريدها السعودية ان تدعم بشكل كامل تحركها، وهو ما استطاعت تحقيقه على اي حال حتى الآن.

اضافة الى ذلك، كان على السعودية ايضاً ان تدرس خيارها جيداً وما يمكن ان يؤدي اليه في كل الاحوال، مع العلم انه، وفق التقديرات والترجيحات فإن الامور لن تتدهور الى حد شن حرب مكلفة جداً للطرفين وللمنطقة بشكل عام.

ثانياً من حيث حجم التدخل: ارادت السعودية ان ترسل رسالة واضحة للجميع أنها ليست مستضعفة كما بدت عليه الامور في المرحلة الاخيرة. الخطوة الاولى في هذا الاتجاه كانت بدأت قبلاً من خلال سرعة مبايعة الملك الجديد بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتعيينات والتشكيلات التي قام بها بشكل فوري لضمان عدم حصول اي شرخ او تشقق في الاسرة الحاكمة نتيجة خلافات على السلطة.

اما الخطوة العسكرية، فكانت استكمالاً للخطوة الاولى، لتبلغ الرياض الجميع ان الخليج هو ملعبها وسيبقى كذلك حتى اشعار آخر، مع التشديد على ان اي تغيير في هذه المنطقة لن يحصل دون موافقة الرياض عليه. ولكن الرد السعودي محصور، وقد لا يتخطى العمليات الجوية المحدودة وامكان تأمين المساعدة لمناهضي الحوثيين، الذين لن يغيّروا كثيراً في المعادلة القائمة في اليمن، ولكنهم يؤمّنون تقويض صورة وقوة الحوثيين خارج الحدود اليمنية.

ثالثاً من حيث الاهداف: ارادت السعودية ان ترتّب البيت السنّي في الخليج، بعد ان حاولت تركيا "التسلل" من نوافذ الاحداث في سوريا والعراق من اجل لعب دور اكبر في اللعبة المستقبلية التي تتحضر لها المنطقة، تماماً كما حصل مع قطر ايضاَ.

وفيما دار حديث عن تحكم تركيا بالقوة السنّية في المنطقة مقابل التحكم الايراني بالقوة الشيعية، اتت السعودية لتثبت انها ما تزال على الساحة، ولن تسمح بتخطيها، واعادت تركيا الى الحظيرة لتبقى العباءة السنّية في الرياض، واحبطت بالتالي كل محاولات نقل هذه العباءة الى عاصمة اخرى.

ومع ترتيب البيت الداخلي السنّي، تم تثبيت ثنائية السعودية-ايران اقله في الوقت الراهن، فضمنت الرياض بالتالي حضورها المعنوي والعملي في كل ما من شأنه تحديد الصورة المستقبلية للمنطقة بعد الاتفاق النووي الايراني من جهة، وتحسين الاوضاع في الدول العربية بشكل رئيسي من جهة ثانية.

ليس الهدف من الضربة الجوية السعودية لليمن، ازاحة الحوثيين لانه امر لا يتم بين ليلة وضحاها، ولكن الهدف الاكبر هو الدور السعودي في المنطقة في المرحلة المقبلة، وقد تمكنت السعودية من المحافظة عليه رغم العقبات التي واجهتها، ولكن هل ستنطفىء شعلة الرغبة في اخذ الدور السعودي من قبل الدول الاخرى؟