قد يظن الكثيرون أن الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، على الموجة نفسها بالنسبة إلى الأحداث اليمنية، لكن البحث في هذا الموضوع يقود إلى خلاصات مختلفة، لا سيما بالنسبة إلى الإختلاف في الأولويات بين الجانبين، بين البحث عن الحفاظ على النفوذ والهاجس من تطور الجماعات الإرهابية.

بالنسبة إلى بعض المراقبين لتطور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، الرياض اليوم كـ"المقامر" الذي خسر بعض أمواله، إلا أن "مرضه" يدفعه إلى المراهنة على ما تبقى معه من أموال، على أمل إسترجاع ما خسره، لكن حسابات البيدر لا تكون دائماً متطابقة مع حسابات الحقل.

من وجهة نظر هؤلاء، لم تكن السعودية قادرة على البقاء في موقع المتفرج أمام ما حصل في اليمن، من توسع لنفوذ سيطرة جماعة "أنصار الله"، والعملية العسكرية التي أعلنت عنها سريعاً كانت متوقعة، نظراً إلى أنها ترى أن الدولة الجارة يجب أن تبقى ضمن حضنها، لكنهم يسألون عن الخطوات المقبلة بعد الغارات التي قامت بها طائرات من مختلف الدول أرادت التماهي مع الرغبة السعودية، خصوصاً أن الجميع يدرك أن هذه الخطوات العسكرية لن تستطيع أن تبدل الكثير من المعطيات على أرض الواقع، وخير مثالٍ على ذلك الغارات التي تقوم بها قوات التحالف الدولي في سوريا والعراق، حيث لم تستطع أن تحرز أي تقدم يذكر إلا في المناطق التي كان لها فيها حلفاء على الأرض يتقدمون من خلال مقاتلتهم تنظيم "داعش".

ويشير أحد المختصين في العلاقات الدولية، في تصريح لـ"النشرة"، إلى أن السؤال المركزي الذي يطرح في هذه المرحلة هو عن الدول المستعدة لإرسال قوات برية إلى اليمن لمواجهة مقاتلي جماعة "أنصار الله" والجيش المتحالف معهما، نظراً إلى العلاقة القائمة بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، مع العلم أن الأخير شن أكثر من حرب على الجماعة في السنوات السابقة، وكان مسؤولاً عن إغتيال مؤسسها عبد الملك الحوثي.

بالنسبة له، الحكومة المصرية لن تقدم على خطوة إرسال قواتها البرية، على الرغم من أن كل التوقعات تذهب نحو هذا الإتجاه، على إعتبار أن العوامل الداخلية الخاصة بالقاهرة لا تساعد على ذلك، بسبب الخلافات التي لا تزال قائمة منذ إسقاط الرئيس السابق محمد مرسي على يد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى أن الأوضاع في أكثر من مكان غير مساعدة، وبالتالي الأولويات المصرية هي الحفاظ على الإستقرار الداخلي ومواجهة الجماعات المتطرفة، لا سيما تلك المنتشرة في سيناء.

على صعيد متصل، يمكن التأكيد أن هناك إختلافاً في الأولويات بين واشنطن والرياض، وتذهب مصادر متابعة إلى حد القول أنه لو لم تكن جماعة "أنصار الله" على علاقة مع طهران كانت الولايات المتحدة لتستخدمها في الحرب ضد عناصر تنظيم "القاعدة"، وترى أن هؤلاء هم العنصر الأول المقلق لواشنطن وليس جماعة الحوثي التي تشكل خطراً على النفوذ السعودي، نظراً إلى أنها كجماعة سياسية تتعارض مع السياسة السعودية التي تريد من اليمن أن يكون تابعاً لها.

ما تقدم لا يعني أن الولايات المتحدة غير سعيدة بالخطوة التي قامت بها السعودية على الإطلاق، فهي حكماً غير مرتاحة لتمدد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في ظل ما يحصل في العراق وسوريا، وبالتالي لا تمانع أن يتم إضعافه في اليمن، من دون أن يعني ذلك أنها مستعدة لتقبل فكرة الإنفجار الشامل في منطقة لها مصالح تاريخية فيها.

وتشدد المصادر المطلعة على أن الربط بين إمكانية التوصل إلى إتفاق على صعيد الملف النووي الإيراني والملفات السياسية قد لا يكون صحيحاً في المطلق، فواشنطن قد تسلم على طهران بيد وتحارب نفوذها بالأخرى، حتى لو كان ذلك بالواسطة، وتذكر بأن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي كان قد أكد مؤخراً أن بلاده لا تفاوض الدول الكبرى إلا على النووي دون غيره من ملفات المنطقة، بالرغم من أن التأثير بين الملفات أمراً طبيعياً.

وتوضح هذه المصادر أن مراقبة التطورات اليمنية في الأيام المقبلة ستكون هي المعيار، لأنها تعكس أولاً وأخيراً صراعاً على النفوذ بين الجانبين الإيراني والسعودي، وترى أن نجاح جماعة "أنصار الله" في الصمود سيعني أن الرياض خسرت ورقة إضافية، وبالتالي سيكون عليها العودة إلى الحليف الأميركي من أجل تحسين وضعها، وتؤكد بأن المعلومات التي تحدثت عن إرسال طهران قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني إلى اليمن، تعني أن إيران لن تقبل على الإطلاق بقلب موازين القوى بالقوة العسكرية.

في المحصلة، تعتبر هذه المصادر أن الأيام المقبلة ستكشف الإتجاه الذي ستتخذه الأوضاع في المنطقة، مع تشديدها على أن إحتمال المواجهة الشاملة غير مسموح به أميركياً، وتلفت إلى أن موضوع القوات البرية التي ستنفذ خطة عملية "عاصفة الحزم" سيكون هو الحاسم، حيث الفشل في تأمينها أو عدم التفكير بالأمر يعني نجاح الجانب الإيراني في خطته، لكنها لا تخرج إحتمال أن يكون البديل دعم خيار التقسيم من دائرة الإحتمالات.