شهد منتجع ​شرم الشيخ​ في مصر في منتصف شهر مارس الجاري حشداً دوليا كبيراً تحت عنوان دعم وتنمية الاقتصاد المصري، وقد شارك فيه أكثر من 2.000 مندوب من 112 دولة مختلفة. أُعلن في المؤتمر عن عدة مشروعات ضخمة مستقبلية منها ما دخل بالفعل حيز التنفيذ ومنها ما جرى الاتفاق على التخطيط له وتنفيذه، كما وقعت الحكومة المصرية مذكرات تفاهم مع شركات ومستثمرين بشأن مشروعات سيتم الاتفاق عليها لاحقاً، وذلك بهدف دعم اقتصاد مصر من خلال طرح فرص استثمارية متنوعة في مجالات الطاقة والنقل والشحن والنفط والعقارات.

وأعلنت الحكومة المصرية أن الحصيلة النهائية للاستثمارات والقروض التي حصلت عليها في المؤتمر بلغت 60 مليار دولار فضلاً عن تعهدات بدعم دول خليجية قدره 12.5 مليار دولار .

بالنظر إلى هذه الحصيلة يتبين بأن المؤتمر حقق غايته لناحية تأمين الدعم السياسي إلى جانب المال والقروض وبناء مشروعات هامة، غير أن ما هو مثار تساؤل ماهية الشروط والقواعد التي سيعمل بموجبها المستثمرون الأجانب؟. هل تصب في هدف تحقيق التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل لملايين المصريين، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية؟. أم أنها لا تضمن تحقيق ذلك وتوفر المناخات المواتية للمستثمرين والشركات الأجنبية لتحقيق الأرباح الطائلة من دون تحمل أية أعباء؟.

وأخيراً ما هي انعكاسات هذه التسهيلات غير المسبوقة على السيادة الوطنية واستقلالية القرار الاقتصادي والسياسي؟.

الإجابة على هذه الأسئلة المهمة تكمن في معرفة ماهية قانون الاستثمار الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية الذي ينظم العلاقة مع المستثمرين الأجانب ويحدد الشروط التي يعملون في ظلها.

بالتوقف أمام القانون يتضح الآتي:

أولاً: على صعيد استخدام العمالة من قبل الشركات والمستثمرين فإن القانون لا يلزمهم بنسبة محددة لتشغيل عمال أجانب وهذا يعني انه لا يضمن تشغيل عمال مصريين مهرة وبسطاء، وبالتالي فإن المشاريع الاستثمارية لا تحقق حاجة نحو عشرة ملايين مصري يعانون من البطالة، لتأمين فرص عمل، خصوصاً وأن الرأسمال بشكل عام والأجنبي بشكل خاص جل ما يهمه هو تحقيق أكبر ربح ممكن وهذا يتحقق من خلال تشغيل يد عاملة رخيصة لا ترتب عليه أية أعباء.

ثانياً: إعفاء الشركات والمستثمرين من الضرائب المترتبة على أي صاحب مشروع لمدة خمس سنوات ما يعني أنهم لن يدفعوا أية ضرائب تعود للتأمينات الاجتماعية كما يدفعها المصريون أصحاب المشاريع والمنشآت الصناعية والسياحية والتجارية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم عدالة في النظام الضريبي والتمييز من ناحية، ويشجع على استيراد العمالة الأجنبية الرخيصة وغير المكلفة من ناحية ثانية. وهذا الأمر يحرم الخزينة المصرية من عائدات ضرائبية مهمة سوف تذهب لصالح الدول الأجنبية عندما تحول إليها أرباح الرأسماليين الآتين منها.

ثالثاً: عدم تحديد سقف للأموال المسموح للمستثمرين والعمال الأجانب تحويلها من مصر إلى الخارج، ما يسمح بطبيعة الحال بتسرب الأموال إلى الخارج بكميات كبيرة ومن دون أي ضوابط، عدا عن أنه يحرم مصر من فرصة إلزام المستثمرين والعمال الأجانب بإنفاق قسم من الأرباح المحققة في الداخل لتنشيط الحركة الاقتصادية.

رابعا: إدخال تعديلات في قانون الضرائب على الدخل عبر تخفيض وتوحيد الحد الأقصى للضريبة على الدخل من 25 في المائة إلى 22.5 في المائة، بما يسري على الشركات والأفراد على السواء. وهذه التعديلات تعد أول خفض للضرائب منذ عشر سنوات، منذ أقدم وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي على تخفيض الحد الأقصى للضريبة إلى 20 في المائة بدلا من 40 في المائة.

كما تنص التعديلات أيضا على إلغاء الضريبة الاستثنائية المعروفة باسم ضريبة الأغنياء، والتي فُرضت في بداية العام المالي بواقع 5 في المائة على الدخل الذي يزيد على مليون جنيه سنويا على ان تمتد لثلاث سنوات فقط.

خامسا: تعديل قانون الضرائب. بحيث يتم إعفاء الشركات في مناطق الاستثمار العامة من بعض أحكام قانون العمل، ومنها تلك التي تتضمن بعض الإجراءات التي ينبغي اتخاذها قبل فصل العامل، بما يعني تخفيفا من القيود على الفصل بطبيعة الحال.

وكذلك إعفاء الشركات المساهمة العاملة في بعض القطاعات من أحكام قانونية تنص على حق العمال في نصيب من الأرباح لا يقل عن 10 في المائة من الأرباح الموزعة ولا يزيد عن مجموع الراتب السنوي.

انطلاقاً مما تقدم يمكن تسجيل الخلاصات الآتية:

الخلاصة الأولى: ان هدف تحقيق العدالة الاجتماعية الذي شكل مطلبا لعشرات الملايين المصريين الذين شاركوا في ثورتي 25 يناير و30 يوليو غير محقق لا بل جرت انتكاسة واضحة على هذا الصعيد من خلال التعديل الذي طرأ على قانون الضرائب لمصلحة الأغنياء والرأسماليين مما زاد في الخلل الحاصل في القانون على صعيد انعدام العدالة في توزيع الدخل. الأمر الذي سيكون له انعكاسات سلبية على واقع الأزمة الاجتماعية.

الخلاصة الثانية: ان مصر تحولت بفعل قانون الاستثمار إلى جنة ضرائبية للمستثمرين الأجانب يستفيدون منها في تحقيق الأرباح الخيالية التي يحرم من فوائدها الشعب المصري.

الخلاصة الثالثة: ان الحكومة المصرية بتقديمها التسهيلات الضريبية السخية للمستثمرين الأجانب قد تجاوزت بكثير ما كان يطالب به صندوق النقد الدولي، وهو ما دفع مديرة الصندوق كريستين لاغارد إلى التنويه بالضريبة الملغاة باعتبارها خطوة على طريق تحقيق مصر لما أسمته «العدالة الضريبية».

الخلاصة الرابعة: إن إجراء مثل هذه الاصلاحات للحصول على المساعدات المالية والاستثمارات الخارجية يجعل مصر مرتهنة للخارج وهذا سيكون له تأثير سلبي على استقلالية القرارين الاقتصادي والسياسي. وهو ما جعل الحكومة المصرية السابقة ترفض شروط صندوق النقد الدولي للحصول على قرض منه.

الخلاصة الخامسة: ان التنمية لا تتحقق إلا من خلال التمسك باستقلالية القرار الاقتصادي والحرص على أن يكون إي استثمار يصب في صالح تعزيز هذه الاستقلالية، تماما كما فعلت الصين التي نجحت في جلب استثمارات ضخمة على قاعدة شروطها التي تؤمن لها استقلالها الاقتصادي والتنمية وفرص العمل لشعبها. ولأن مصر لم تحذ حذو الصين ولم تضع الضوابط والشروط التي تحمي استقلالها وتحقق هدفها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية فإنها ستجد نفسها في القادم من الأيام خاضعة لتأثير الخارج ان كان اقتصاديا أو سياسيا لأن الدول لا تقدم المساعدات مجاناً، ولا الرأسمالي الذي جل همه تحقيق أكبر قدر من الربح.