تحت إسم "جيش الفتح"، وَحَّدَت العديد من الفصائل السورية المُعارضة للنظام، وأبرزها "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام الإسلاميّة"، قوّاتها وجهودها، وتمكّنت بعد معارك عنيفة مع ​الجيش السوري​ على مدى أربعة أيّام، أسفرت عن سقوط 45 قتيلاً من الجيش النظامي، في مُقابل سقوط 72 قتيلاً من المُهاجمين، من السيطرة على مدينة إدلب السوريّة بشكل كامل، علماً أنّ أغلبيّة قرى وبلدات ريف إدلب هي خارج سيطرة النظام السوري أيضاً، باستثناء عدد قليل من البلدات التي تتضمّن مُعسكرات مُحصّنة للجيش السوري. فماذا يعني هذا التحوّل المَيداني، وأين ستكون المعارك المُقبلة، وما هي آخر المعلومات عن تحضيرات لهجوم مُعاكس واسع؟

بالنسبة إلى الأهميّة الإستراتيجيّة لسيطرة المُعارضة السوريّة على مدينة إدلب التي تُشكّل مركز المحافظة، فهي تتمثّل خصوصاً في عرقلة خطوط إمداد الجيش السوري بين مدينتي حلب في الشمال واللاذقية في الغرب. ومن المُتوقّع أن يواصل مُعارضو النظام هجماتهم في الأيّام القليلة المُقبلة في محاولة لبسط السيطرة على كامل ​محافظة إدلب​، وتنتظرهم مقاومة شرسة متوقّعة في بلدتي كفريا والفوعة حيث توجد مراكز تدريب لمتطوّعين سوريّين تدّعي المعارضة السورية أنّها تتمّ بإشراف "حزب الله". وسيحاول معارضو النظام أوّلاً السيطرة على "معسكر المسطومة" وعلى "معمل القرميد" القريبين من مدينة إدلب، لقطع خطوط الإمداد عن مختلف المواقع العسكريّة المتبقّية للنظام في المحافظة.

وفي مرحلة تالية، وبالنسبة إلى ساحات المعارك الرئيسة المُقبلة أو المُرتقبة، فهي ستكون في أريحا وفي مدينة "جسر الشغور" التي تقع على بُعد 40 كيلومتراً إلى الغرب من إدلب، وحيث يتمتّع الجيش السوري بحضور ميداني قوي جداً. وتُعطي المُعارضة السوريّة أهمّية كبيرة لمعركة "جسر الشغور" المُستقبليّة، لأنّ النجاح في إسقاط هذه المدينة، ولو بعد حين، يعني عمليّاً الإقتراب أكثر فأكثر من منطقة ثقل النظام وخطّه الخلفي في جبال اللاذقيّة.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ المُعارضة السورية اعتمدت، ولأوّل مرّة، مبدأ قتالياً تُطبّقه أهم الجيوش العالميّة، ويتمثّل في مهاجمة مكان جُغرافي محدّد من مختلف المحاور(1)، لكن مع تعمّد ترك ممر آمن، بهدف دفع المُدافعين إلى الإنسحاب من المعركة، بدلاً من القتال بشراسة حتى الرمق الأخير، في ما لو جرى الهجوم من كل المحاور من دون أيّ إستثناء. وتمّ تطبيق هذا المبدأ في الهجوم الأخير على إدلب، حيث تمّ ترك مجموعة من الطرقات الآمنة من جهة الجزء الشمالي للمدينة بشكل خاص، الأمر الذي دفع وحدات الجيش السوري إلى الإنسحاب.

لكنّ كلّ التقارير الواردة من ساحة المعركة حالياً، تؤكّد أنّ الجيش السوري يعيد تجميع قوّاته ووحداته جنوبيّ المدينة، تمهيداً لتنفيذ هجوم مُعاكس واسع بأسرع وقت ممكن، وذلك نتيجة خشيته من أنّ يؤدّي أيّ نصر مَعنوي لمُسلّحي المُعارضة إلى سقوطٍ مُتتالٍ لمختلف بلدات وقرى محافظة إدلب، لتُصبح عندها ثاني مُحافظة تقع بكاملها بيد المعارضة بعد محافظة الرقة. وقد أخذت القيادة العسكريّة السوريّة قراراً بمنع المعارضة من تحقيق هذا الهدف، عبر الإنتقال من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، مهما بلغت كلفة المعارك الشرسة المُرتقبة. ويخشى النظام السوري أيضاً أن تضعف معنويات الجيش في مدينة حلب، في حال تمكّن مُسلّحي المُعارضة من قطع خطوط الإمداد بين مدينتي حلب واللاذقيّة، الأمر الذي قد يُعرّض مواقع الجيش السوري في حلب لخطر شديد، بعد أن كان هو صاحب المُبادرة هناك.

وفي الختام، الأكيد أنّ معارك شرسة تنتظر محافظة إدلب في الساعات والأيّام القليلة المُقبلة، حيث ستسعى المعارضة إلى محاولة فرض سيطرتها على كامل المحافظة وقطع خطوط الإمداد عن أكثر من منطقة جغرافية يتواجد فيها الجيش السوري، بينما سيُحاول هذا الأخير إسترداد ما خسره بأسرع وقت ممكن، منعاً لتحوّل هذه الهزيمة الميدانيّة إلى "كُرة ثلج" بانعكاسات سلبيّة جداً عليه.

(1)وزّعت المُعارضة السورية آلاف المُسلّحين على ثلاثة محاور قتالية رئيسة لإسقاط إدلب، هي: الجزء الغربي للمدينة وبروما في الشمال الغربي وتولّته "جبهة النصرة"، والجزء الشرقي للمدينة من طرف مدينة بنش وتولّته "حركة أحرار الشام" ومن طرف مدينة سرمين وتولّته جماعة "جيش الشام"، والجزء الجنوبي وتولّته جماعة "صقور الشام".