للمرة الأولى، يغادر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دبلوماسيته المعهودة عندما يتعلق الأمر بالسعودية. وللمرة الاولى، تكشّر المملكة عن أنيابها بهذا الوضوح؟ رغم ذلك، حوار عين التينة مستمر، بل بات اليوم «ربط النزاع» الوحيد بين الرياض وطهران.

لأن تداعيات العدوان السعودي على اليمن ستكون كبيرة جداً، وفي مقدمها زيادة منسوب الاحتقان السني ـــــ الشيعي في المنطقة، كان الخطاب العالي اللهجة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الجمعة الماضي. إذ أن الخطاب المغلّف بلياقات دبلوماسية لم يعد ذا جدوى، بعد قرار الرياض بالحرب المفتوحة.

في وجه «المرجلة» السعودية المستجدّة، كان لا بد من «الدوز» العالي لأسباب عدة:

أولاً، بعدوانها على اليمن، وضعت السعودية الجميع أمام معادلة «معنا أو ضدنا». وكان واضحاً أنها، بخطوتها هذه، تئد أي فرصة للحل السياسي قد يتيحها اتفاق أميركي ــــ ايراني حول الملف النووي، ليس في اليمن فحسب، بل أيضاً في سوريا والعراق والبحرين، وضمناً لبنان.

ثانياً، تشكيل تحالف ذي خلفية مذهبية مغطّى بتحالف غربي، وهو نسخة منقحة عن «الحلف السني» الذي كثر الحديث عنه أخيراً وحالت دون تشكّله سابقاً تناقضات تتصل بعدد من الملفات كالموقف من جماعة الاخوان المسلمين. تحالف كهذا، بإمكاناته المادية (الخليجية) الضخمة سيجرّ وراءه من دون شك، وفي ظل حملة اعلامية شرسة، اصطفافاً مذهبياً من دول ومنظمات في وجه «الحلف الشيعي»، وستكون نتيجته مزيداً من الاحتقان والتوتير السني ــــ الشيعي.

ثالثاً، دفع الأمور اقليمياً الى هذا المستوى من التوتر، والدينامية السعودية غير المعهودة في التحشيد للعدوان، ينمّان عن إصرار الرياض على المضي في التصعيد ضد ايران وحلفائها في كل الساحات. علماً ان المشكلة في اليمن لم تكن مذهبية، كما أن الحوثيين «ليسوا إيرانيين بالوكالة بل هم شعب بذاته، ومن الخطأ القول إن إيران تسيطر تماما عليهم»، بحسب وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند.

ثالثاً، الى جانب الفرز السني ــــ الشيعي، نجاح السعودية في إحداث فرز عربي ــــ ايراني وتمكّنها من جرّ الغالبية العظمى من الدول العربية وراءها، ومنها قطر والأردن اللتان كان مسؤولوهما يتسوّلون العلاقة مع طهران قبل أسابيع قليلة.

رابعاً، توجيه رسالة الى قمة شرم الشيخ التي انعقدت غداة العدوان من مغبّة اتخاذ إجراءات جديدة ضد الحوثيين، في مشهد يذكّر بقمة «صانعي السلام» التي انعقدت في المدينة نفسها عشية عدوان «عناقيد الغضب» على لبنان عام 1996.

لذلك كله، كان لزاماً أن يكون خطاب نصرالله موجّهاً الى الرأي العام العربي باستخدام كل الأدبيات المتاحة والتسميات الواضحة لتوصيف الوضع بدقة ومن دون مواربة. كما كان ضرورياً توجيه رسالة واضحة الى السعودية بخطورة ما تقدم عليه وبخطورة تداعياته. علماً أن الخطاب، بصرف النظر عن الدقائق الاربعين الاولى منه، انتهى الى الدعوة الى «استعادة مبادرات الحل السياسي» في اليمن مؤكداً أن هذا «أمر ممكن». فهل لا يزال ممكناً فعلاً؟

بداية، ينبغي الإقرار بأن السعودية، في عرض العضلات الذي تجريه، نجحت في مفاجأة الجميع، وفي شدّ العصب العربي في وجه ما تسميه «التمدد الايراني» في المنطقة. وهي حصدت حتى الآن شبه إجماع رسمي عربي وتأييداً شعبياً عربياً تغذيه آلة اعلامية ضخمة. ولكن من هنا الى أين؟

في المعلومات، لا التحليل، أن الغارات على المدن اليمنية ستستمر ما لا يقل عن شهرين، وأن ليس في نية الرياض الدفع بأي قوات برية، لعلمها بأن أي عملية من هذا النوع ستعني دخولاً في نفق من النار، ولن يكون الأمر مجرد غزو بلد لبلد، بل حرب حقيقية بين بلدين لن تكون بلدان أخرى مجاورة مشاركة في العدوان بمنأى عنها، وقد تتدحرج الى حرب اقليمية من المؤكد انها ستغيّر وجه المنطقة. وهنا، ترى مصادر متابعة أن الرياض أذكى من ترك الأمور تصل الى هذا المستوى، وأن جلّ ما تسعى اليه، بعد الضربات المتلاحقة التي تلقّتها في السنوات الأربع الماضية، إثبات أنها طرف قوي في الاقليم، في انتظار الجلوس على طاولة التسويات، سواء كان الأمر يتعلق بتسوية للأزمة اليمنية أو بحلول لكل الملفات بالتوازي مع التفاهمات الايرانية ـــ الأميركية شبه المؤكدة حول الملف النووي. وتستدل المصادر على هذا التوجه السعودي بملاقاة الرئيس سعد الحريري كلام نصرالله في خطابه عن ضرورة الحوار بالتأكيد على «مواصلة الحوار لحماية لبنان»، لتشير الى أن حوار حزب الله والمستقبل مستمر، لا بل بات اليوم «ربط النزاع الوحيد في المنطقة بين السعودية وايران»، مدعوماً باستمرار التعهد الأميركي بالحفاظ على الاستقرار اللبناني الذي يشكل حاجة للطرفين المحليين، ومن خلفهما القوى الاقليمية، بصرف النظر عن «هوبرات» المنتشين بـ «البطولات السعودية».