قد يصح القول ان ما يجمع زعماء الطوائف الروحية في لبنان هو نفسه ما يفرق اهل السياسة الذين يتبعون للطوائف التي ينتمون اليها. القمم الروحية او اللقاءات الموسمية او الفصلية او الشهرية رغم تواضع ما يمكن ان تحققه من نتائج لكنها في التوقيت تكتسب اهمية مواكبة لحوارات تنفيس الاحتقان والتشنجات. المناداة بإنتخاب رئيس للجمهورية وسد الشغور الحاصل فيها عنوان جامع خرجت به قمة بكركي امس لكنه يحمل في طياته ايضاً كل الخلاف. فبكركي صاحبة الدعوة امس والتي خصصتها لمجموعة من القضايا الوطنية دعت الى ان يكون الشغور الرئاسي بنداً رئيساً على جدول اعمالها. وسيد الصرح بح صوته وهو ينادي الى التئام المجلس وحضور النواب وتأمين النصاب وإنجاز الانتخاب ولكن هل استجاب النواب الموارنة والمسيحيون اولاً له ام ان كل واحد منهم له اجندته السياسية الخاصة ويتبع هذا المحور او ذاك ويناصر هذه الدولة او هاتيك. ورغم كل ذلك يجتمع المسيحيون كما المسلمون عندما تمس حصتهم الخدماتية او في الوظائف العامة والاسلاك الامنية وآخر السجال حول ردم الحوض الرابع. المسلمون ايضاً منقسمون على انفسهم فبعد اخذ ورد كبيرين نجحت مصر بوساطة بين تيار المستقبل وباقي الافرقاء بالاتيان بمفت جديد لدار الفتوى اللبنانية من ثوب "المستقبل" رفع شعارات الوحدة والتلاقي ومكافحة الارهاب ونبذ التطرف وتغليب الاعتدال، لكنه حتى اليوم لم ينجح في تنفيذ كل ما رفعه من شعارات وما زال ينقصه الكثير من مراحل لتحقيق ما وعد به لجهة ترتيب البيت السني الداخلي وربما تكون البداية من انتخابات المجلس الشرعي الاعلى الذي يعد من رواسب الصراع بين الرئيس فؤاد السنيورة والمفتي السابق محمد رشيد قباني. المسلمون ايضاً منقسمون بالسياسة. فبالامس خرج زعيم الطائفة السياسي الرئيس سعد الحريري ليساند "إنتفاضة" السعودية في وجه "المد الايراني" باليمن غير عابئ ان من يسقط هم مسلمون وان هناك اولويات اخرى للمملكة لتنجزها غير الغارات على اليمن وحوثييها. مباشرة وبعد يوم واحد لاقى المفتي دريان الحريري بتأكيد بيعته للسعودية التي اتت به مفتياً ورغم كل ذلك يعول المسلمون ان تستعيد دار الفتوى رونقها وبريقها وحضنها الجامع وهو ما تسمعه من كل من يلتقي دريان والذي يعكس رغبة جدية بالانفتاح على الجميع وطي صفحة الماضي. وفي السياق ايضاً قد يكون مجدياً ان يشدد المفتي دريان على اهمية تواصل الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله من شحيم الاحد الماضي لكنه حري بسماحته ان يدفع في إطار تنفيذ بنود هذا الحوار والمساهمة الفاعلة بتخفيف الاحتقان والتشنج وتبريد اصحاب الرؤوس الحامية ممن "يمون" عليهم كمرجعية دينية لبعض رموز المستقبل. وفي الاطار يسجل للمفتي عدم تجاوبه مع مساع يقوم بها "تجمع العلماء المسلمين" لعقد لقاء اسلامي موسع للخروج بمفهوم موحد يدين الارهاب وميثاق شرف يجرم الخطاب التحريضي والمذهبي ويهذب الخطاب الديني والسياسي والاعلامي كما يسجل للمفتي عدم إعطاء موعد لوفد من التجمع لزيارته رغم لقاء التجمع للمرجعيات الدينية الشيعية والدرزية كما اراد هو فإذا سار الباقون باللقاء سار هو وراءهم.

قضية اللبنانيين المبعدين من الامارات هي وطنية بمقدار ما هي وطنية القضايا الاخرى من الرئاسة وهي ام السلطات الى الهم الاجتماعي والمعيشي وهو ابو الاوجاع والادران في الوطن الى ملف الارهاب ومكافحته الذي لا يختلف اثنان على تجريمه وادانته ولكن التباينات تبدأ عند السؤال في كيف ومتى واين؟ اين اصبحت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب؟ وهل فعلاً يميز بعض اللبنانيين الثوار السوريين عن الارهابيين؟ والتكفيريين عن المنظرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها؟

قمة بكركي محطة اخرى من محطات الجمع والتلاقي اللبنانية وبغض النظر عن الشعارات الكبيرة التي رفعت امس الا انها تظل هامة ومطلوبة في زمن الخواء السياسي الداخلي وفي عصر المدفع والصاروخ وانسداد الافق لكن العبرة في التنفيذ وفي استكمال ما يتفق عليه والا يتفرق العشاق عندما ينفخت الدف!