في الوقت الذي لا يزال فيه الكثيرون يتساءلون عن موعد بدء المعركة الكبرى، في السلسلة الشرقية، يبدو أن الخطوات العملية لها بدأت من دون إثارة أي ضجيج حولها، حيث تراجع خيار القيام بمواجهة شاملة أمام التحول لخطوات متوسطة وصغيرة، تقوم على نظرية "القضم"، في الجانبين اللبناني والسوري، بهدف الضغط والتضييق على عناصر المجموعات المسلحة، لدفعها نحو التسليم أو المواجهة من موقع الضعف، خصوصاً أن العديد من التلال الإستراتيجية، التي كان يسيطر عليها هؤلاء قبل وقت قصير، باتت تحت سيطرة الجيشين السوري واللبناني ومقاتلي "حزب الله".

السيناريو القائم حالياً، في الزبداني وجرود فليطا وعرسال ورأس بعلبك، شبيه بذلك الذي طبّق في السابق في كل من القصير والقلمون، حيث تمت السيطرة على المنطقتين بسرعة قياسية، في حين كانت التوقعات تتحدث عن مواجهة صعبة وطاحنة، لكن الجديد هذه المرة أن ​الجيش اللبناني​ ليس بعيداً عن هذه العملية، ما يؤشر إلى وجود تنسيق عالي المستوى مع الجانب السوري، سواء كان ذلك مباشرة أو بواسطة فريق ثالث، من المرجح أن يكون "حزب الله"، إلا أن السؤال الأبرز الذي يطرح في هذه المرحلة يتعلق بالخاتمة التي ستكتب لهذه الجماعات، بعد أن تحصنت في هذه الجرود، نتيجة الخسائر التي منيت بها أولاً في القصير ولاحقاً في القلمون.

في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة أن الخطوات العسكرية التي شهدها الإسبوع المنصرم كانت مهمة جداً في سير المعركة، في الجانبين السوري واللبناني، من التقدم الذي حصل على جبهة الزبداني، مروراً بالنقاط الجديدة التي سيطر عليها الجيش اللبناني في منطقة عرسال، وصولاً إلى المواجهات التي حصلت في جرود فليطا، والتي أدت إلى تقدم عناصر ​الجيش السوري​ و"حزب الله".

بالنسبة إلى هذه المصادر، الخطر الذي كان يتم الحديث عنه في الأشهر الماضية بالنسبة إلى قرى شرق زحلة لم يعد موجوداً عملياً، بعد أن تمكن الجيش السوري من السيطرة على عدد من من التلال الإستراتيجية، في السلسلة الغربية المطلة على الزبداني، وهي: قرقماز ورأس الخشعة وشير القرنة وشير الهوة وشعيب الالد وبير كاسو وقصر النمرود وجبل الشيخ منصور وراس القرن و شقيف الأحمر، مع العلم أن الوضع بالنسبة إلى هذه القرى كان الأفضل بين تلك الموجودة على مقربة من السلسلة، بسبب تواجد عناصر "حزب الله" و"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" في جرود السلسلة، وبالتالي لم يكن هناك من قدرة كبيرة للمسلحين للتحرك باتجاه الحدود اللبنانية.

هذا الأمر، لا يجب أن ينفصل عن إستكمال الجيش اللبناني عملية الربط بين سائر نقاطه العسكرية المتقدمة في جرود عرسال، في الأسبوع الماضي أيضاً، حيث تؤكد المصادر، لـ"النشرة"، أنه من خلال العملية الأمنية السريعة التي نفذتها وحدات عسكرية على امتداد الجرود، من عرسال إلى الفاكهة وراس بعلبك، لم تعد هناك من إمكانية كبيرة لتسلل المجموعات المسلحة وإستهداف مراكز الجيش.

وفي حين ترى المصادر أن ذلك يندرج في سياق عملية عزل الجرود لإطباق الحصار على المسلحين، تشير إلى أن العملية سمحت على نحو بعيد لنقاط الجيش المتعددة، بأن تتمتع باطلالة واسعة على مناطق واسعة من السلسلة الشرقية وعلى محل وادي حميد ومدينة الملاهي، وهو أمر لا يجب أن يفصل عما حصل سابقاً في منطقة راس بعلبك، حيث وصف ذلك بـ"العملية الإستباقية".

وعلى الرغم من هذه التحولات الميدانية الكبيرة، تجزم المصادر بأنّ المعركة تُخاض بـ"نفس طويل"، نظراً إلى عدة أسباب أبرزها طبيعة المنطقة الجغرافية والتداعيات التي من الممكن أن تترتّب عليها، لا سيما على بلدة عرسال اللبنانية، التي تؤكد الأحداث المتلاحقة أنّ المجموعات المسلحة لا تزال موجودة بداخلها عبر خلاياها الأمنية التي تنفذ عمليات الإغتيال والتهجير ضد كل من يقف بوجهها.

وتلفت هذه المصادر إلى أن إحتمال الوصول إلى تسوية يبقى مطروحاً في كل وقت، خصوصاً أن هناك جهات إقليمية ومحلية تتابع التطورات بشكل دقيق، نظراً إلى أنها كانت سابقاً تراهن على هؤلاء المسلحين من أجل إحداث تقدم نوعي، في الخطط العديدة التي وُضِعت بهدف مهاجمة العاصمة السورية دمشق وكان مصيرها الفشل.

في المحصلة، ترى المصادر أن المجموعات المسلحة أصبحت اليوم في وضع صعب جداً، تؤكده محاولات بعض العناصر الهروب باتجاه الداخل اللبناني أو السوري، والتي كان أبرزها ما حصل مع عمر وبلال ميقاتي، نظراً إلى الخلافات الداخلية فيما بينها والحصار المطبق عليها، وتشير إلى أنها ستجد الخناق يوماً بعد يوم يضيق لدفعها نحو التسليم أو فتح النار في المواجهة الخاسرة.