عاد أهالي العسكريين الأسرى الى الشارع بعد طول إنتظار بدأ بين عيدي الميلاد ورأس السنة. إجتمعوا في ساحة رياض الصلح، ناقشوا إحتمالات تحركهم، بعدما وردتهم معلومات غير أكيدة عن توقف المفاوضات وعودة التهديد بقتل أولادهم من قبل المجموعات الإرهابية، وما إن وصلوا الى اتخاذ القرار حتى وقع الخلاف بينهم. هناك من يؤيد قطع طريق الصيفي، وهناك من يرفض ذلك. عائلة أحد الأسرى تريد أن تشعل الإطارات على باب السراي الحكومي، وأخرى تتصدى لهذه الخطوة إنطلاقاً من الوعد المعطى سابقاً لرئيس الحكومة تمام سلام بأن دخان الإطارات الأسود لن يغطي ولو لمرة واحدة مدخل مقر الرئاسة الثالثة.

هذا في الشكل، أما في المضمون فهناك سبب غير معلن للمناوشات التي يشهدها شارع الأهالي بين الحين والآخر. سبب برزت ملامحه منذ أشهر قليلة، وتحديداً قبل عيدي الميلاد ورأس السنة الفائتين، تاريخ وقف الأهالي لتحركات الشارع وإستبدالها بجولات على المرجعيات الروحية والقيادات السياسية تهدف الى سحب موقف علني منها يؤيد مبدأ المقايضة.

قبل ذلك التاريخ، هزّت إعتصام الأهالي في ساحة رياض الصلح فضيحة من العيار الثقيل. فضيحة كانت كافية لزرع الشقاق فيما بينهم. وفي المعلومات المتوافرة، إكتشف الأهالي أن والد أحد العسكريين الأسرى، حصل على مساعدات مالية ضخمة من بعض السياسيين الذين أرادوا دعم الإعتصام، غير أنه لم يوزع منها على الأهالي سوى القليل، كما أن هذا التوزيع لم يشمل جميع العائلات المعتصمة في العاصمة بيروت. أوساط متابعة لهذا الملف، تكشف أن المتبرعين بهذه الاموال التي تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات، هم النائب بهية الحريري وأمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري إضافة الى الوزيرة السابقة ليلى الصلح حماده.

"أكثر ما أثار حفيظة الأهالي" تقول عائلة أحد العسكريين، "هو التسول الذي شهدته هذه القضية على حساب أبنائنا، إذ أننا على يقين بأن الأموال التي تم التبرع بها دعماً للإعتصام، لم تأت فقط عن طريق المبادرة الفردية، بل بناء على طلبات تقدم بها أحدهم من دون أن يعلمنا بأنه في صدد الطلب من هذا السياسي أو ذاك، وما زاد الطين بلة، أنه استلم هذه الأموال ولم يوزعها كما يجب على المحتاجين الحقيقيين، بل أراد أن يستثمر بقضية خطف إبنه".

إعتراض آخر على عملية "التسول" هذه، جاءت من العائلات التي ترفض إستلام ولو ليرة واحدة كمساعدة، فهي غير محتاجة أساساً، وسبق لها أن رفضت إستلام المساعدة المالية التي قدمتها سابقاً للأهالي الهيئة العليا للإغاثة، فكيف لها إذاً أن تقبل مساعدات من السياسيين؟

هذه الأموال التي تصفها الغالبية الساحقة في شارع الأهالي بالصفقات المرفوضة، هي التي فجرت الخلاف بين المعتصمين، وهي التي جعلت إعتصام رياض الصلح خلال الفترة الماضية، مهجوراً من أهله حتى في الأيام التي كان الطقس يسمح فيها بتواجدهم بالقرب من السراي، حيث تدار المفاوضات مع "داعش" وجبهة النصرة.

إذاً بين الأهالي من لا يريد من هذا الملف إلا عودة إبنه بخير، وبينهم من أراد يستثمر قضية الخطف، وهنا لبّ الخلاف.