تدخل ​فلسطين​ اليوم (الأربعاء) رسمياً عضوية "المحكمة الجنائية الدولية"، وهو الذي يُعتبر يوماً هاماً في تاريخ القضية الفلسطينية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين على العديد من الجرائم التي ارتكبوها ويرتكبونها، ومنها: العدوان على قطاع غزّة، وإقدام مجموعة من المستوطنين على خطف الفتى محمد حسين أبو خضير وحرقه حيّاً، وما تلاه باغتيال الوزير الفلسطيني زياد محمد أبو عين عن سابق تصوّر وتصميم، وملف الاستيطان...

وإثر قبول عضوية فلسطين في "الأمم المتحدة" - وإنْ بصفة مُراقب - (29 تشرين الثاني 2012)، الذي أعطى لدولة فلسطين العديد من الحقوق، وأتاح الانضمام إلى معاهدات ومواثيق الدولية، استناداً إلى قرار الجمعية العامة رقم 19/67 للعام 2012، وهو ما يتطلّب اتخاذ إجراءات لتحقيقها والاستفادة منها، بدأت القيادة الفلسطينية تنفيذ الانضمام إلى المعاهدات والمواثيق والمنظّمات الدولية، التي كانت قد وضعتها في صلب اهتماماتها، وبينها أولويات فورية، وأولويات مصيرية، ومنها الانتساب إلى "المحكمة الجنائية الدولية" جاء ثمرةً لقبول عضويتها في "هيئة الأمم المتحدة"...

ومع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة (7 تموز 2014)، والذي انتهى بعد 51 يوماً، حاصداً أكثر من 2000 شهيد وأكثر من 11 ألف جريح، فضلاً عن أضرار جسيمة في المباني والممتلكات ودور العبادة والمقابر الإسلامية والمسيحية، ونزوح أكثر من نصف مليون مواطن فلسطيني من مناطق إلى أخرى داخل قطاع غزّة، وتدمير المدارس والبنى التحتية في القطاع، إضافة إلى الحصار القاسي الذي فرض عليه، وقد دكّ القطاع آلة القتل الإسرائيلية بمختلف أنواع الأسلحة جوّاً وبحراً وبرّاً، والتي فاقت حتى تقديرات القادة الاحتلال، دون أنْ يتم تحقيق ضرب بنك الأهداف للقطاع الذي وضعه قادة الاحتلال...

وكثر الحديث عن أهمية توجّه فلسطين للانضمام إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، لمقاضاة الاحتلال الإسرائيلي على الجرائم التي ارتكبها...

واستحوذ الانضمام إلى هذه الهيئة على الكثير من الاهتمام، في ظل وجود وجهتَيْ نظر:

1- تدعو إلى الإسراع للانضمام إلى المحكمة لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم.

2- هناك خطورة في الانضمام إلى هذه المحكمة، لأنّه قد تطال عدداً من المسؤولين الفلسطينيين ومحاكمتهم على (ما يصفه العالم بأنّه جرائم حرب)، فيما هو دفاع مشروع عن النفس، لكن في ظل تعاطي المجتمع الدولي بمكيالين، فإنّ الانحياز دائماً هو لصالح العدو الإسرائيلي.

بتاريخ 1 نيسان 2014 وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسمياً وثائق انضمام دولة فلسطين إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية، وقام وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي بتسليم طلبات الانضمام إلى ممثّل الأمين العام لـ "الأمم المتحدة" روبرت سيري، وممثّل الاتحاد السويسري وبول غارنيير، ونائب ممثّل المملكة الهولندية.

بتاريخ 31 كانون الأول 2014م وقّع الرئيس محمود عباس على وثيقة الانضمام إلى 20 منظّمة ومعاهدة واتفاقية دولية.

وبتاريخ 2 كانون الثاني 2015 سلّم السفير الفلسطيني في "الأمم المتحدة" الدكتور رياض منصور إلى "الأمم المتحدة" طلب انضمام فلسطين إلى "المحكمة الجنائية الدولية".

وبتاريخ 7 منه، قَبِلَ الأمين العام لـ "الأمم المتحدة" بان كي مون طلب دولة فلسطين الانضمام إلى "المحكمة الجنائية الدولية".

وبتاريخ 7 شباط 2015، أصدر الرئيس عباس مرسوماً رئاسياً بتشكيل لجنة وطنية عليا تكون مسؤولة عن القضايا التي ستُحال إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لـ "منظّمة التحرير الفلسطينية" الدكتور صائب عريقات، وتضم حوالى 40 شخصية سياسية من مختلف الفصائل الفلسطينية وأكاديميين وحقوقيين ومؤسّسات من بينها وزارتا الخارجية والعدل الفلسطينيتان.

وأتاحت هذه الخطوة للمحكمة فتح قضايا ابتداءً من 1 نيسان/ إبريل 2015 حول جرائم خطيرة ارتُكِبَتْ على الأراضي الفلسطينية.

تعدّدت وجهات النظر في موضوع "المحكمة الجنائية"، فمنهم من قال: إنّ المحاسبة تتم على:

- الجرائم التي تحدث بعد 1 نيسان 2015.

- بعد قبول عضوية فلسطين في "الأمم المتحدة" بتاريخ 29 تشرين الثاني 2012.

- أنْ تكون الجرائم مرتكبة بعد إنشاء "المحكمة الجنائية" بتاريخ 1 تموز 2002.

- جنسية دولة أخرى طرفاً في المعاهدة.

أما الحسم القانوني في الموضوع، فإنّه عندما أصبحت فلسطين طرفاً في معاهدة روما (1 نيسان 2015) بات بالإمكان الاستفادة من المادة 29 منها، التي تنص على أنّه "لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم، أيّاً كانت أحكامها"، وهنا تدعو فلسطين للقبول بمنح المدّعي العام سلطة التحقيق في جميع الجرائم التي ارتُكِبَتْ على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1 تموز 2002، ويجب ألا يكون التهويل بفتح تحقيق باتهامات بجرائم قد يكون ارتكبها أشخاص تابعون لفصائل المقاومة، سبباً لعدم اعتماد هذا الخيار، لأنّ المقاومة الفلسطينية محميّة بالقانون الدولي الذي أجاز للشعوب المحتلة أرضها المقاومة بشتى أنواعها، بما في ذلك المقاومة المسلّحة ضد الاحتلال العسكري، وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية، خاصة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزّة في العام 2014م، مقاومة عسكرية مسلّحة، وعدم التعرّض للمنشآت المدنية أو المدنيين الإسرائيليين.

التوقيع على 15 اتفاقية ومعاهدة

بتاريخ 1 نيسان 2014، وقّع الرئيس عباس وثائق انضمام دولة فلسطين إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية كخطوة أساسية على درب مقاضاة الكيان الإسرائيلي، وقام الوزير المالكي بتسليم طلبات الانضمام إلى الجهات المعنية، وأصبحت فلسطين عضواً في هذه الاتفاقيات والمعاهدات بعد توقيعها بفترة تراوحت بين 30 و90 يوماً، وهي:

1- اتفاقية لاهاي المتعلّقة بقوانين وأعراف الحرب البرية ومرفقاتها: اللائحة المتعلّقة بقوانين وأعراف الحرب البرية.

2- الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها.

3- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

4- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

5- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

6- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

7- اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.

8- اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

9- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

10- اتفاقية حقوق الطفل.

11- اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

12- اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.

13- اتفاقيات جنيف الأربع 1-2-3-4، والبروتوكول الأوّل الإضافي للاتفاقيات وهو: حماية ضحايا النزاعات المسلّحة ذات الطابع الدولي.

14- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

15- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وحقّق الفلسطينيون مكتسبات عديدة من الدخول إلى هذه الاتفاقيات، لكن جعلتهم أمام التزامات وحقوق وواجبات، يتوجّب احترامها، ومنها تغيير قوانين متعلّقة بحقوق المرأة والعمّال وحقوق الإنسان.

6 جرائم دولية

وقد تجسّدت وحشية الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزّة (7 تموز 2014)، الذي انتهى بعد 51 يوماً حاصداً أكثر من 2205 شهداء وأكثر من 11 ألف جريح، فضلاً عن أضرار جسيمة في المباني والممتلكات ودور العبادة والمقابر الإسلامية والمسيحية، ونزوح أكثر من نصف مليون مواطن فلسطيني من مناطق إلى أخرى داخل القطاع، وتدمير المدارس والبنى التحتية في القطاع، حيث دكّت آلة القتل الإسرائيلية القطاع بمختلف أنواع الأسلحة جوّاً وبحراً وبرّاً، وفاقت حتى تقديرات قادة الاحتلال، دون أنْ يتم تحقيق ضرب بنك الأهداف للقطاع الذي وضعه الاحتلال - فضلاً عن الحصار القاسي الذي فرضه على القطاع، حيث سجّل خبراء ارتكاب الكيان الإسرائيلي 6 جرائم دولية ضد القطاع، هي:

1- جريمة عدوان، انتهاك المادة 2 الفقرة 4 من ميثاق "الأمم المتحدة".

2- جريمة حرب.

3- جريمة ضد الإنسانية موصوفة.

4- جريمة إبادة، إبادة جنس أو إبادة جماعية، وما قام به الاحتلال هو إبادة جنس.

5- جريمة إرهاب.

6- جريمة التعذيب.

وخلال الأيام الـ 51 للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، برز تفنّن الاحتلال في اعتداءاته الوحشية ضد الأطفال والمدنيين والمناضلين، فتنوّعت الجرائم التي ارتكبها، والتي يرتكبها كل يوم، ومنها:

- جرائم حرب: نُفِّذَتْ في إطار خطة أو عملية واسعة النطاق، ومن خلال انتهاكها لاتفاقيات جنيف الأربع، وعدم التزامها بقواعد القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان.

- جرائم الإرهاب: حصلت عبر التفجيرات والقتل الهمجي المتعمّد لتخويف الفلسطينيين، ودفعهم للهجرة بغية احتلال أرضهم وقيام الدولة اليهودية، أو استخدام المدنيين كدروع بشرية أثناء عمليات البحث التي يقوم بها جنود الاحتلال الإسرائيلي، أو من خلال إقدام مجموعة من المستوطنين على خطف الفتى محمد حسين أبو خضير وحرقه حيّاً، وما تلاه باغتيال الوزير زياد محمد أبو عين عن سابق تصوّر وتصميم.

- جرائم ضد الإنسانية: قام بها الاحتلال عبر الهجمات واسعة النطاق ضد الشعب الفلسطيني أو الشعب اللبناني، خاصة ما قام به من استهداف مباشر للمستشفيات والمدارس.

- جرائم إبادة الجنس البشري: الموجّهة ضد جماعة بحد ذاتها عبر محاصرتها، ومنع الإمدادات الغذائية عنها، بهدف القضاء الكلي عليها، وهو ما حصل في قطاع غزّة، عندما قام الاحتلال بعملية عزل اقتصادي وسياسي للقطاع.

ويأمل الفلسطينيون التمكّن من مقاضاة المسؤولين الإسرائيليين أمام "المحكمة الجنائية الدولية" التي تتّخذ من لاهاي مقرّاً لها، على الجرائم التي ارتكبوها، وخاصة خلال العدوان الأخير على قطاع غزّة.

والمقاضاة للكيان الإسرائيلي يمكن أنْ تتم عبر ثلاثة أُطُر:

- الإطار الأول: إحالة الجرائم الموثّقة إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، بعد انضمام السلطة الوطنية الفلسطينية إلى نظام المحكمة.

- الإطار الثاني: أنْ تقوم "السلطة الوطنية الفلسطينية" بالحصول على الدعم من الدول التي تُقاضي أنظمتها القضائية من يثبت ارتكابه جرائم حرب.

- الإطار الثالث: أنْ تتحول جرائم الكيان الإسرائيلي إلى قضية رأي عام دولي.

استناداً إلى كل الجرائم التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي، بات من الأهمية توجّه فلسطين للانضمام إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، لمقاضاة الكيان الإسرائيلي على الجرائم التي ارتكبها، حيث استحوذ الانضمام إلى المحكمة على الكثير من الاهتمام، في ظل وجود وجهتَيْ نظر:

- الأولى: تدعو إلى الإسراع بالانضمام إلى المحكمة لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم.

- الثانية: تقول بأنّ هناك خطورة في الانضمام إلى هذه المحكمة، لأنّه قد تطال عدداً من المسؤولين الفلسطينيين ومحاكمتهم (على ما يصفه العالم بأنّه جرائم حرب)، فيما هو دفاع مشروع عن النفس، ولكن في ظل تعاطي المجتمع الدولي بمكيالين، فإنّ الانحياز دائماً هو لصالح العدو الإسرائيلي.

وكي لا تكون المطالبة بانضمام فلسطين إلى "المحكمة الجنائية الدولية" مشوبة بأي خطر يهدّده، فقد طلب الرئيس "أبو مازن" من الفصائل الفلسطينية التوقيع على رسالة بالموافقة على التقدّم إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، من أجل تحمّل تبعات ذلك، حيث وقّعت عليها فصائل "منظّمة التحرير الفلسطينية" بتاريخ 29 تموز 2014، وكان متبقياً توقيع حركتَيْ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" اللتين طلبتا مهلة لدراسة هذا الموضوع، خاصة مع بروز وجهات نظر بإمكانية ملاحقة مسؤولين فلسطينيين في هذه المحكمة، إذا ما تم تقديم شكاوى ضدهم (لأنّ هناك مَنْ يعتبر الحق المشروع للثورة الفلسطينية عملاً إرهابياً).

ووقّعت "حركة الجهاد" على الرسالة، ثم أعلنت حركة "حماس" على لسان عضو مكتبها السياسي موسى مرزوق بتاريخ 23 آب 2014، عن أنّها وقّعت على الرسالة بالموافقة على تقديم طلب انضمام فلسطين إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين على الجرائم التي ارتكبوها أو قد يرتكبونها.

الانضمام إلى 20 منظّمة ومعاهدة دولية

بتاريخ 31 كانون الأول 2014، وقّع الرئيس عباس على وثيقة للانضمام إلى 20 منظّمة ومعاهدة واتفاقية دولية، هي:

1- المحكمة الجنائية الدولية.

2- الميثاق الممهِّد لعضوية فلسطين في "ميثاق روما".

3- الإعلان لقبول مادة 12 و13 لـ "ميثاق روما".

4- التعهّد إلى بان كي مون الالتزام بـ "ميثاق روما".

5- ميثاق الحقوق السياسية للمرأة.

6- ميثاق دفن المواد الصلبة والضارّة في مناطق الدول خارج حدودها.

7- ميثاق عدم سقوط جرائم الحرب بالتقادم.

8- معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

9- معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية المحدّدة.

10- معاهدة الحد من القنابل العنقودية.

11- بروتوكول 2 من مواثيق جنيف للعام 1949.

12- بروتوكول 3 من مواثيق جنيف للعام 1949.

13- بروتوكول حماية الشخصيات الدولية.

14- ميثاق الالتزام بتطبيق أحكام جرائم الحرب وضد الإنسانية.

15- الإعلان عن دولة فلسطين دولة تلتزم بكل المواثيق والمؤسّسات والأعراف الدولية.

وتنص الاتفاقيات المتعلّقة بـ "المحكمة الجنائية الدولية"، على الحفاظ على حياة شخصيات تتمتّع بحماية دولية، ومنع التعرّض لهم، وحرية عملهم في مكاتبهم ومقرّاتهم، وأهمهم رئيس الدولة، شخصيات دبلوماسية، وشخصيات تقف على رأس النظام، ومن ضمنهم رئيس الحكومة، ووزير الخارجية، ووفق الاتفاقية الموقّعة فإنّ الطرف المعتدي يجب تسليمه ومحاسبته وفق ما ينص عليه القانون، كما ويعتبر القانون الدولي أيضاً أنّ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، هي من أخطر أنواع الجرائم في القانون الدولي.

- البروتوكول الثاني الإضافي لاتفاقية جنيف، وهو اتفاق خاص لحماية المدنيين ضحايا النزاعات المسلّحة ذات طابع غير دولي، ويضمن حماية المدنيين أثناء الحرب، منع احتجاز رهائن، حماية طواقم الإنقاذ، حماية الجرحى المُصابين خلال الحرب، إضافة إلى الحفاظ على الأماكن المقدّسة، والأثرية أثناء الحرب.

- اتفاقية للتعامل مع الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب، الذي يعيش ضمن الرقعة الجغرافية للدولة من قِبل أي دولة أخرى، وتنص الاتفاقية على مساءلة الدولة المعتدية وتقديم المسؤولين للعدالة الدولية، ويهتم نظام روما بمكافحة جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

وفي ضوء ذلك، فإنّ السلطة الوطنية الفلسطينية في المقابل، تتعهّد بتعديل قوانينها، أو إضافة قوانين خاصة بها من أجل أنْ تتلاءم والاتفاقيات التي قامت بالتوقيع عليها، حيث جرى العمل على تعديل عشرات القوانين، أو إضافتها للقانون الفلسطيني كشرط للانضمام إلى الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها.

وقال الرئيس عباس خلال توقيعه على المواثيق: "نعم سنشتكي؛ يُعتدى علينا وعلى أرضنا كل يوم؛ لمن نشكو مجلس الأمن خذلنا، هناك منظّمة دولية سنذهب إليها ونشكو أمرنا إليها".

وبتاريخ 2 كانون الثاني 2015 سلّم السفير الفلسطيني في "الأمم المتحدة" الدكتور رياض منصور إلى "الأمم المتحدة" طلب انضمام فلسطين إلى "المحكمة الجنائية الدولية".

وبتاريخ 7 منه، قَبِلَ الأمين العام لـ "الأمم المتحدة" بان كي مون طلب دولة فلسطين الانضمام إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، بحسب المتحدّث بإسمه ستيفان دوجاريك - وقد أبلغ كي مون الدول الأعضاء في المحكمة قرار قبوله الطلب، بعدما "تأكد الأمين العام من أنّ الوثائق التي تم تسلّمها تطابق المعايير قبل قبولها لإيداعها".

وأتاحت هذه الخطوة للمحكمة فتح قضايا ابتداء من 1 نيسان 2015 حول جرائم خطيرة ارتكبت على الأراضي الفلسطينية.

ومباشرة أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن "أنّ الولايات المتحدة لا تعتقد بأنّ فلسطين دولة ذات سيادة، لذلك فهي غير مؤهّلة لعضوية المحكمة الجنائية الدولية" - وهو ما عبّرت عنه المتحدّثة بإسم الوزارة جين ساكي.

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو انضمام الفلسطينيين إلى "المحكمة الجنائية" بمثابة "إعلان حرب".

وقد ردّت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على التوجّه الفلسطيني إلى "المحكمة الجنائية الدولية" بتجميد تحويل 106 ملايين يورو لحساب السلطة الوطنية الفلسطينية، وتهديد قادة السلطة بملاحقتهم قضائياً.

وبتاريخ 7 شباط 2015، أصدر الرئيس عباس مرسوماً رئاسياً بتشكيل لجنة وطنية عليا تكون مسؤولة عن القضايا التي ستُحال إلى "المحكمة الجنائية الدولية".

وتضم اللجنة التي يترأسها الدكتور صائب عريقات، حوالى 40 شخصية سياسية من مختلف الفصائل الفلسطينية وأكاديميين وحقوقيين ومؤسّسات، بينها وزارتا الخارجية والعدل الفلسطينيتان.

وحدّد المرسوم الرئاسي مهمة اللجنة بإعداد وتحضير الوثائق والملفات التي ستقوم دولة فلسطين بتقديمها وإحالتها إلى "المحكمة الجنائية الدولية".

شكوى في المغرب نموذجاً

إنّ الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها الكيان الصهيوني، كأفراد وككيان توجب كلياً أو جزئياً، إنزال العقوبات المناسبة بشأنها عن طريق:

- القضاء الدولي عبر "المحكمة الجنائية الدولية" أو "محكمة العدل المختصة".

- الأمم المتحدة.

- القضاء الوطني.

وشرع الدفاع المغربي في تقديم شكوى إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط (سُجِّلَتْ تحت رقم 505 س/2006) ضد وزير الدفاع الإسرائيلي عاميير بيريتز (أحد مجرمي الحرب الصهيوني والحامل للجنسية المغربية).

تطبيقاً للفصل 707 الذي ينص على اختصاص القضاء المغربي بالبت في الجنايات المرتكبة خارج الوطن إذا كان مرتكبها يحمل الجنسية المغربية، وكذلك اختصاصه بالبت في الجنايات المرتكبة خارج الوطن، من طرف أجنبي كفاعل أو مشارك، إذا كان الضحية يحمل الجنسية المغربية.

وعقب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزّة، قام الدفاع المغربي برفع شكوى لدى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف (تحت رقم 468/3101/2014) التي وجّهت في نطاق المواد 707 و708 و711 من قانون المسطرة الجنائية، ضد: المشتكي به المدعو سامي الترجمان، المولود بالمغرب، والحامل للجنسية المغربية والقائد العسكري للمنطقة العسكرية للكيان الصهيوني والمسؤول عن العدوان على قطاع غزّة، وشركاؤه في العدوان.

كما بات واضحاً أيضاً أنّ ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم سهل ويسير، حيث من الممكن ملاحقتهم كأفراد، أو كيان، أو شركات ومتعاونين، خاصة إنّه بالإمكان الحصول على أسماء مرتكبي المجازر - كما فعل الدفاع المغربي - ومن جهة ثانية، فإنّ أسماء الشهداء والضحايا وأماكن حصول الجرم معلومة، ما يشكّل إدانة بحد ذاته.

لقد صنّف النظام الأساسي لـ "المحكمة الجنائية الدولية" مثل تلك الجرائم، في خانة جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وفق المادتين 7 و8 منه، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وعليه فإنّ الانضمام إلى "المحكمة الجنائية الدولية" سيحل مشكلة الاعتداء الإسرائيلي على الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين خلال العدوان المتكرّر، وسيؤدي إلى محاكمتهم كمجرمي حرب.

تحرّك "اللوبي الصهيوني"

في المقابل، فإنّ "اللوبي الصهيوني" يتحرّك على أكثر من صعيد، ومنه رفع دعاوى بأسماء هيئات ومؤسّسات أميركية لصالح الكيان الصهيوني:

- ضد مؤسّسات وهيئات، منها "منظّمة التحرير الفلسطينية" والسلطة الوطنية الفلسطينية حيث أصدرت هيئة المحلفين في محكمة في نيويورك (23 شباط 2015)، قراراً يطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية دفع تعويضات، بقيمة 218 مليون دولار أميركي لضحايا أميركيين في 6 هجمات منفصلة وقعت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بين العامين 2002 و2004 (الفترة خلال اندلاع "الانتفاضة الثانية" – "انتفاضة الأقصى")، بـ 25 تهمة منفصلة، بقضايا رفعتها 11 عائلة إلى محكمة فدرالية ضد السلطة الفلسطينية و"منظّمة التحرير الفلسطينية" بعد هجمات أدّت إلى مقتل 33 شخصاً وإصابة أكثر من 390 آخرين، مطالبين بتحميل السلطة والمنظّمة المسؤولية عن دعم هجمات شنّها عناصر من حركة "حماس" و"كتائب شهداء الأقصى"، على اعتبار أنّ بعضهم كان يتلقّى رواتب من السلطة والمنظّمة.

- وعزم "منظّمة إسرائيلية متطرّفة (19 شباط/فبراير 2015) القيام بمقاضاة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل (كونه يحمل الجنسية الأردنية والأردن عضو في المحكمة)، وعدد من قادة الحركة، بادّعاء المسؤولية عن تعطيل الحركة الجوية في "مطار بن غوريون" خلال العدوان الإسرائيلي في العام 2014م على قطاع غزّة، جراء سقوط صواريخ "القسام" بالقرب من المطار، بعدما حذّرت "كتائب القسام" الأجانب من السفر عبر المطار خشية على أرواحهم، بعد إقدام قوّات الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب مجزرة بشعة في حي الشيخ رضوان في قطاع غزّة، أدّت إلى استشهاد عدد كبير من النساء والأطفال".

وفي ضوء التوقيع الفلسطيني على "معاهدة روما"، لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب، فإنّ العقوبات قد تتجاوز الكيان الإسرائيلي، إلى الشركات التي تزوّده بأسلحة القتل والفتك والدمار، والغالبية منها هي شركات أميركية.

ومن الأولويات المصيرية التي وضعتها القيادة الفلسطينية التوجّه إلى:

- محكمة العدل الدولية.

- محكمة التحكيم الدولية.

وهذه المحاكم قد تعمل على تحديد حدود دولة فلسطين، وإصدار قرار ضد الكيان الإسرائيلي، بضرورة انسحاب قوّاته من أراضي الدولة الفلسطينية التي تم الاعتراف بها في "الأمم المتحدة" على حدود الرابع من حزيران 1967.