كثيرةٌ هي المؤشرات التي تدل على أن ما بعد عمليات «عاصفة الحزم» هو غير ما قبلها على صعيد المشهد الذي يعيشه الإقليم العربي بعد مرحلة تمدد النفوذ للجمهورية الإسلامية الإيرانية وتحولها محوراً مقابلاً لدول مجلس التعاون الخليجي.

إذ تشكل الإنتفاضة «العربية السنية» بداية مرحلة جديدة باتت واضحة التوازنات الأولية ومنها إن السعودية قد اسقطت العاصمة اليمنية صنعاء من عدد العواصم الأربع التي كانت إيران أعلنت أنها سيطرت عليها إلى جانب بغداد «العراقية» دمشق «السورية» وبيروت «اللبنانية» وألتي شكلت «تحيات» الرئيس سعد الحريري منها إلى القيادة السعودية أبان ذكرى 14 شباط إشارة واضحة إلى أنها خارج جعبة محور الممانعة على غرار كل من العواصم الأخرى التي فاخر مسؤولون ايرانيون بابتلاعهم من جانب الجمهورية الاسلامية الإيرانية قبل بداية إستعادة السعودية والتحالف العربي لليمن، والتحرك العربي العسكري على أكثر من صعيد هو بداية ترسيخ الواقع الجديد لمواجهة طهران في ظل تأييد دولي لهذا التحالف لضبط التمدد الإيراني بعد مراحل المعاناة مع الجمهورية الاسلامية في عدة دول من المنطقة العربية دون اغفال النتيجة الدراماتيكية في سوريا الناتجة عن سيطرة جبهة النصرة على كامل متطقة أدلب بجغرافيتها الاستراتيجية.

ويصح القول حتى اليوم حسب أوساط سياسية بأن قراءة محور الممانعة لعاصفة الحزم دلت على اقتناعه بأن الواقع الجديد يفرض هدوءاً وتفاعلاً إيجابياً أكثر في الواقع اللبناني بحيث أن مواقف حزب الله القيادية والسياسية والإعلامية على ما جاء في بيان الدائرة الإعلامية بالامس كلها تدل على أنه لا يسعى لقلب الطاولة إذا ما كان قدراً على ذلك دون ان ترتب الخطوة تداعيات عليه هذه المرة مغايرة عن محطات سابقة دون إغفاله ايضا حسب مطلعين على موقفه وزر مترتبات قتاله في سوريا ونتائج هذا الدخول في المستنقع السوري بحيث أن قول رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن لا تأثيرات على الواقع اللبناني بعيد احداث اليمن وهو الذي يرعى الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله يعكس حسب الاوساط للواقع العقلاني للتعاطي مع هذا التحول في المنطقة من جانب القارئين بعمق وبينهم أركان محور الممانعة لا بل ان حصر الاعتراض على كلام رئيس الحكومة تمام سلام في قمة شرم الشيخ بطرحه داخل الحكومة على ما اعلن عضو كتلة الوفاء للمقاومة الوزير حسين الحاج حسن هو دليل إيجابي ويعكس منطق مؤسساتي تصر عليه قوى 14 اذار وهو يؤكد على عدم تعكير الأجواء السياسية السائدة في البلاد، والتسليم بالواقع الإقليمي المستجد الذي فرضته «عاصفة الحزم».

ومن شأن هذا التحول حسب الأوساط أن يدفع افرقاء على الساحة الداخلية لإعادة قراءة خطواتهم ومواقفهم، فالرغبة الحقيقية بالمؤتمر التأسيسي إذا ما تم إسقاط النظام والإطاحة بالطائف باتت جد بعيدة والرهان على أن الإتفاق النووي بين إيران والدول الست من شأنه أن يقوي نفوذها في الإقليم ويطلق يدها رئاسياً في لبنان بما يؤدي لإنتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لم يعد على وتيرته، بحيث أن دعوة الرئيس سعد الحريري للتحاور حول رئيس توافقي وأعراب المرشح الرئاسي رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع عن عدم تمسكه بترشيحه لصالح التفاهم مع العماد عون على رئيس توافقي هو النهج الذي سيفرض بذاته على هذا الملف وأن مسار الإستحقاق الرئاسي فتح حكماً على مواصفات للرئيس من خارج المحاور على غرار المرشحان عون وجعجع.ليكون الرئيس المقبل من نتاج الظروف التي ستبلور هويته ودوره.

وتدرج الاوساط رد السفير السعودي علي عواض عسيري على أمين حزب الله السيد حسن نصرالله في خانة المرحلة الجديدة للمنطقة والاداء السعودي من ايران بعد ان «طفح كيل» دول مجلس التعاون الخليجي منها وذلك بعد أن كان الدبلوماسي السعودي يعمل في إتجاه ترتيب العلاقات الداخلية بالإمكان بين القوى السياسية ولا سيما المنضوية في تحالف الممانعة بحيث إن الإنتفاضة العربية السنية التي لم تستثنِ الرئيس الروسي فلادمير بوتين بعد رد وزير الخارجية السعودي فيصل عليه بقوة وإعلانه بالامس عن جهوزية السعودية للحرب اذا رفض الفريق المقابل دعوة بلاده للحوار هو النهج الدبلوماسي الحاد الذي ستعتمده السعودية في سياستها في موازاة خيارها العسكري في اليمن على خلفية التحالف الذي شكلته في مواجهة إيران، ولاقت طهران «بتقنين» هذه الشروط من خلال دعوة مساعد وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان الفرقاء في اليمن للتحاور آخذا الدور السعودي بعين الواقع.

وبذلك بات وقع مقررات القمة الروحية في بكركي هو أكثر لزاما على القوى المسيحية لإخراج البلاد من الفراغ الرئاسي بعد ان تبدلت التوازنات التي تفرض تعديلا في حسابات العماد عون الإقليمية، اذ لم يعد مقبولاً وفق أوساط بكركي أن يطالب الزعيم السني «سعد الحريري» بضرورة إنتخاب الرئيس اللبناني المسيحي الوحيد في هذا الشرق ويكرر مؤخراً وزير الداخلية نهاد المشنوق هذا الموقف من واشنطن في موازاة عجز القوى المسيحية في الحفاظ على هذا الموقع كل من زاويته الرئاسية بعد أن دخل هذا الملف «نفق» المناورات والرهانات الطبيعية المرتقب لها الا تأتي بنتيجة نظرا لكون الضوء الأخضر لإنجاز الاستحقاق لم يعد عند المسيحيين الذين ألقي عليهم هذا الدور «الثقيل» من قبل كل من بري والحريري وجنبلاط ضمنا للتفاهم على رئيس يكون من رحمهم، ولذلك سيكون الرئيس المقبل في ظل الخلافات السائدة بينهم من وحي تفاهم دولي -إقليمي معزز بتأييد القوى اللبنانية الكبرى على خط المحاور الإقليمية.