زادت التطورات المستجدة في المنطقة والتداعيات الخطيرة التي ولّدتها الأزمة اليمنية على المستويين الإقليمي والدولي «الطين بلّة»، على مستوى الواقع اللبناني بشكل انقطع فيه الأمل بإمكانية ترتيب قريب للبيت الداخلي إن على مستوى ملء الفراغ بانتخاب رئيس للجمهورية أو معالجة الشلل الذي يستوطن في الكثير من مفاصل الدولة على كافة الصعد، وهو ما يعني أن لبنان سيبقى لفترة إضافية يقفز فوق رؤوس الأفاعي ويمشي في حقول من الألغام الذي تتهدّد مصيره في أية لحظة.

وإذا كان الحريق الملتهب في المنطقة يضع الملفات اللبنانية الكبرى في الثلاجة، فإن اللبنانيين يضعون اليد على القلوب من تفاقم الإشتباك السياسي المندلع داخلياً على خلفية التطورات الخارجية، خصوصاً وأن الساحة الداخلية مرّت بقطوع عديدة وما تزال نتيجة التفاعل الحاصل مع ما يجري على مستوى المنطقة، حيث حال الحوار القائم بين «حزب الله» و«المستقبل» إلى الآن دون الانزلاق في متاهات هذه التطورات والإطاحة بالاستقرار المحاط بمظلة إقليمية ودولية ما تزال قوية رغم بعض الثقوب التي تلحق بها نتيجة ما يجري على مستوى المشهد الإقليمي.

وفي تقدير مصادر متابعة أن الحوار الذي يجري في عين التينة يفعل فعله الإيجابي رغم كل المحطات السلبية التي تواجهه، وهو يعمل بشكل مباشر وغير مباشر على تفكيك الكثير من الصواعق، وهذا الأمر سينسحب على جلسة مجلس الوزراء اليوم التي ستشهد نقاشاً حول ما قيل في قمة شرم الشيخ على لسان رئيس مجلس الوزراء وردّة فعل «حزب الله» عليه من دون أن يصل الأمر إلى إحداث هزة قوية تعيد تعليق الجلسات على غرار المرة الماضية، حيث وكما يبدو يحرص الجميع على استمرار هذه الحكومة بكل عيوبها لأن البديل عنها لا يصبّ في صالح أي فريق على الإطلاق في ظل الفراغ الحاصل، وافتقاد القدرة على تأليف حكومة جديدة، وقد نشطت الاتصالات في الساعات الماضية لاحتواء هذه التداعيات.

من هنا فإن المصادر ترى أن ما يحصل في المنطقة سيكون له ارتدادات قوية على الواقع اللبناني، غير أن ذلك لا يعني الدخول في نفق أزمة سياسية حيث تُظهر الوقائع حاجة الجميع إلى المحافظة على الواقع السياسي الحالي بانتظار بلورة صورة المشهد الإقليمي والدولي وأن أي دعسة ناقصة في هذا المجال ستكون أثمانها باهظة لا قدرة لأي فريق سياسي على تحمّل أوزارها، سيّما وأننا في هذه المرحلة أمام زحف جديد للشغور قد يصل إلى المؤسسة العسكرية ما لم يتم تدارك ذلك والتعامل مع هذا الملف بعيداً عن الخلافات السياسية.

وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن وعي الأطراف السياسية لخطورة المرحلة يحتّم عليهم العمل بالمثل القائل: «عند مصالح الدول إحفظ رأسك»، بمعنى ضرورة الانحناء أمام العاصفة التي تضرب المنطقة كون أن لا قدرة للبنان على مواجهة هذه الرياح العاتية في حال كانت ساحته مبعثرة، وهذا الأمر يجعل من إمكانية حدوث توترات سياسية أو أمنية بمنسوب عالٍ مستبعدة، وإن كانت حالة المراوحة سيتمدّد عمرها أشهراً إضافية، وسيترجم ذلك بترحيل الرئيس بري موعد جلسة انتخاب الرئيس المقررة يوم غد الخميس كون هذه الجلسة لن تكون مختلفة عمّا سبقها لا بالشكل ولا بالمضمون، لا بل أن البعض من السياسيين شكر الرئيس بري على تحديد هذه الجلسات للتذكير بوجود مقعد شاغر يحتاج الى من يشغله.

وفي تقدير هذه المصادر أن المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالتطورات، وأن مسار ومصير الملف النووي الذي وصلت المحادثات حوله إلى خواتيمها هو الوحيد الذي سيحدد اتجاه الريح ما إذا ستكون باردة أم ساخنة وإن كان الكثيرون ينحازون إلى التكهن الأول بعد أن قطعت مشاورات جنيف شوطاً مقبولاً في اتجاه فكفكة العقد التي باتت محصورة بثلاث نقاط قابلة للأخذ والردّ.

وترى المصادر أنه في حال وصلت محادثات لوزان الى خاتمة سعيدة فإن لبنان سيكون المستفيد الأول، من دون أن يعني ذلك بأنه سيكون قادراً على قطف ثمار ذلك في وقت قريب، كون أن الأحداث في المنطقة تجعله بعيداً عن الأولويات، فهو ربما يكون في المرتبة الأخيرة في سياق معالجة الملفات المفتوحة نتيجة الصراعات الموجودة بين المعنيين بهذا الملف، وحيال ذلك فإن لبنان الذي يضبط ساعته على التوقيت السويسري في هذه المرحلة محكوم بأن يحافظ على الاستقرار الذي ينعم به، وأن يبادر الى احتواء تداعيات أي اشتباك سياسي قد يندلع نتيجة الانقسام العامودي الذي ما زال قائماً بمعزل عن الحوار الموجود بين حزب الله والمستقبل أو ذاك الذي يحضّر له بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، باعتبار أن خلاف ذلك سيزيد الأمور تعقيداً ويدخلنا في متاهات خطيرة، وسيجعل أمر الاستفادة من أية تسوية محتملة يأتي متأخراً