تطرأ بطريرك السريان الانطاكي ​مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان​ خلال الرسالة السنوية لمناسبة عيد القيامة المجيدة الى الأوضاع الحالية باعتبار ان الشعب بطوائفه المتنوعة يعيش حالة طوارىء وطنية تعصف به من كل الجهات، الإجتماعية والصحية والإقتصادية والسياسية والأمنية"، لافتاً الى ان "الحدود باتت خطوط تماس مفتوحة، حيث يسطر الجيش اللبناني والقوى الأمنية البطولات ويقدم التضحيات حتى الشهادة بغية الحفاظ على الإستقرار ومنع انزلاق الوطن إلى الفتن والبؤر الأمنية والطائفية التي غرقت في أوحالها الدول المجاورة. والمشاكل الإقتصادية تلم بمختلف شرائح المواطنين، فالأعمال والمؤسسات تعاني الركود ومضاربة اليد العاملة الأجنبية التي تنافس العامل اللبناني، وغلاء المعيشة المستشري، مما جعل حالة الفقر والبطالة تتفاقم بصورة اضطرادية لم يعرف لها مثيل في السابق. وها إن الساحة اللبنانية مليئة بمظاهر انعدام الثقة التي قد تؤدي بالبلاد إلى الضياع والهلاك الذاتي. هذا فضلا عن وجود ملايين النازحين قدموا إلى لبنان إثر الحروب الدائرة رحاها في سوريا والعراق، وما يترتب على وجودهم من مضاعفات تصيب المجتمع اللبناني وميثاقه واقتصاده".

وأشار يونان إلى "المناوشات السياسية بين مختلف الأفرقاء، وما أدت إليه من عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وها نحن على مشارف مرور عام كامل على حال الفراغ الرئاسية وما أوجدته من فراغ في المؤسسات كافة، إلى حد أصبح شبح الفراغ والتعطيل يلف الدولة اللبنانية بأكملها. فيما معظم السياسيين منصرفون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة ولاهثون نحو تقاسم الحصص على حساب الوطن والمواطن، متجاهلين واجبهم في دعوة النواب إلى الإلتزام بمسؤولياتهم الدستورية لعقد جلسات انتخاب رئيس للبلاد".

وصلى "إلى الرب المنتصر على الموت كي تكون قيامته قيامة للبنان ومناسبة لاجتماع مختلف اللبنانيين وتفاهمهم اليوم قبل الغد على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيقوم بتشكيل حكومة جديدة تكون حكومة وحدة وطنية ترعى شؤون البلاد، وتجعل في مقدمة أولوياتها إقرار قانون عصري للانتخابات النيابية لا يغيب أحدا، فنمثَّل فيه نحن السريان ومختلف مكونات الوطن تمثيلا صحيحا حقيقيا يتناسب ومقدار التضحيات الجسام التي قدمناها للبنان"، مهنئا أبناء أبرشية لبنان البطريركية وجميع اللبنانيين بالعيد".

وإذ أكد أن "عيد القيامة هو رمز انتصار النور على الظلمة ووعد أكيد بغلبة الخير على الشر"، مشيراً إلى أن "الكل يعلم كم أن عالمنا اليوم وشرقنا الأوسط بنوع خاص بحاجة إلى النعم الإلهية كي يدحر الشر المتربص بأوطاننا وشعوبنا وحضاراتنا. إننا، من موقعنا كرعاة روحيين، نكثف الصلوات والأدعية مع جميع أبناء شعبنا من إكليروس ومؤمنين، ومع الكنائس والجمعيات والأفراد الذين يشعرون ويتألمون للمآسي المخيفة التي حلت بنا في العراق وسوريا، وهم لا يزالون يتخوفون وإيانا بسبب الأخطار التي تحدق بنا. نصلي إلى الرب المنبعث من الموت، كي يبعث قوة رجائه في نفوس أبنائنا وبناتنا المتألمين والمهدَّدين بوجودهم في الشرق، فلا تثبط عزائمهم، بل يرفعون رؤوسهم ثابتين في وطنهم، أرض الآباء والأجداد. ونضرع إلى المخلص الذي حمل صليبه من أجلنا وغلب الموت بقيامته، كي يشدد بنعمة قيامته قلوبهم وعزائمهم للتغلب على المخاوف والتعالي على جراح الجسد والنفس. كما ندعوه أن يثبتهم وإيانا في نعمة الإيمان بقوة قيامته، فيطمئننا وأجيالنا الصاعدة، كما طمأن رسله الخائفين من عاصفة بحر الجليل، ومد يده لينقذ شمعون بطرس من الغرق".

وعن العراق، اعتبر يونان أن "الأزمات والحروب المستمرة والإنقسامات تهدد وحدته الوطنية وتناغم مكوناته، في ظل نمو الحركات التكفيرية التي لم ترحم لا بشرا ولا حجرا، وتفشي الأصوليات التي تلغي الآخر المختلف عنها وتبث روح الفرقة والتضليل. وليس خفيا على أحد أن جرائم هذه المجموعات الإرهابية قد طالت الأفراد والجماعات ومعالم حضارة بلاد الرافدين وتراثها الإنساني الذي لا يقدَّر بثمن. هدموا الكنائس والأديرة والمراقد والمتاحف، واعتدوا على الآثار العريقة، وكل هذا تحت أنظار المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنا، بل اكتفى بالبيانات والإدانات اللفظية التي لم تحم الإنسان من الإقتلاع من أرضه وبيته وتاريخه في الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، فيما استمر التكفيريون يعيثون الفساد والدمار".

وفي ظل هذا المشهد الضبابي السوداوي، توجه يونان "بشكل خاص بمحبة أبوية وتضامن كلي إلى أبنائنا وبناتنا في بغداد والبصرة وإقليم كردستان وكركوك، وإلى المقتلعين من ديارهم قسرا في مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، إكليروسا ومؤمنين، ضارعين إلى الرب المنتصر على الموت، أن يعينهم على حمل صليب آلام النزوح والتهجير، واثقين بأن درب الآلام لا بد وأن تنتهي بالقيامة، التي تعدهم بالغلبة على الظلمة والإستبداد، مع أملنا الوطيد بأن يسرع المعنيون بتحرير الموصل وسهل نينوى من الجماعات الإرهابية المفسدة، ليعود أهلنا إلى قراهم ومدنهم ومنازلهم آمنين سالمين، وتعود أجراس الكنائس لتقرع متهللة وشاهدة على التجذر المسيحي في بلاد الرافدين، إيمانا بإله المحبة والسلام".

وتضرع يونان إلى الله "لينتشل سوريا من الصراعات الداخلية المتفاقمة ومن التدخلات الإقليمية والدولية، بحجة لم تعد تنطوي على أصحاب الضمائر الحية، بأن هناك شعبا يبغي الحرية والديمقراطية! أربع سنوات من التقاتل والدمار لم تخل ولم تذر، قتلا، خطفا وتهجيرا. ونذكر هنا خاصة أخوينا مطراني حلب المخطوفين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم، والكهنة. فأين المسؤولون وأين اصحاب الضمائر، وهم يتنادون للم المساعدات الإنسانية، بينما واجب الأسرة الدولية، سيما تلك الدول من أصحاب القرار، أن تبذل كل جهدها لإيقاف الصراع والتقاتل، بالكف عن شحن النفوس وضخ الأسلحة. يا ليتها تستجيب إلى الملايين من أبناء الشعب السوري، كي توجه الدعوة الحازمة لجمع الجهات المتنازعة إلى الحوار والمصالحة، سعيا لحلول سياسية تحترم حقوق جميع مكونات الوطن، لأي دين أو مذهب أو قومية انتموا، حيث لا ذهنية لأكثرية دينية أو مذهبية سوى تلك المصممة على قبول المكونات الصغرى والإنفتاح عليها لتطمينها، وحيث لا خوف وارتياب لدى أقلية من أنها ستنال حقوقها الوطنية وحرياتها الدينية التي تفرضها شرعة حقوق الإنسان الدولية".

واعلن يونان أنه "من غير المقبول في القرن الحادي والعشرين، أن تستمر بلداننا الشرق أوسطية في فرض دين أو مذهب ينتقص من حقوق فئة من المواطنين كون هؤلاء يختلفون دينا أو مذهبا عن الأكثرية الحاكمة أو الساعية إلى الحكم؟ ولا يحق للداعين إلى احترام حقوق المواطنة، أن يستمروا في القتل والتخريب طيلة سنوات، بحجة فرض تنوع الفكر السياسي، متناسين أن الإختلاف الفكري بالمفهوم الحضاري هو غنى، بعكس الخلاف السياسي الذي يدعو إلى التقاتل وإلغاء الآخر".

ولفت يونان إلى أن "أربع سنوات عادت بها سوريا أجيالا إلى الوراء، وسمحت للمجموعات التكفيرية بسط جهلها وإجرامها ولا إنسانيتها على مساحات شاسعة من سوريا، وآخرها كان تهجير المسيحيين من قراهم في ريف الحسكة في الخابور، حيث أحرِقت الكنائس، وخطف وقتل عشرات الأطفال والنساء والشيوخ، وحيث الآلاف اقتلعوا غدرا من بيوتهم وقراهم".

وتوجه "بمحبة وتضامن كامل مع أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا السريانية الأربع في سوريا، في دمشق، وحمص وحماة والنبك، وحلب، والجزيرة، سائلين رب القيامة والحياة أن ينهي محنتهم ويبسط أمنه وسلامه في ربوعهم، ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية متعايشين مع إخوتهم المواطنين من كل دين وقومية".

وفي القسم الروحي من رسالته لمناسبة عيد القيامة المجيدة، ذكر يونان أن "وعد القيامة هو السلام الحقيقي، ولا إيمان دون قيامة، إذ أن القيامة هي مبعث الرجاء، فقيامة المسيح هي قيامتنا، بل هي مسيرتنا المتجددة نحو الحياة الجديدة والفضلى"، مقدما "التهاني الأبوية بالعيد إلى أبناء الكنيسة السريانية المنتشرين في بلاد الشرق وفي عالم الإنتشار، من لبنان وسوريا والعراق، إلى الأراضي المقدسة والأردن ومصر وتركيا، وإلى أوروبا وأميركا وأستراليا"، متوجها "بعاطفة أبوية خاصة إلى جميع الذين أجبرتهم الأوضاع المؤلمة في سوريا والعراق على النزوح والهجرة، وجميع المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكل عائلة غابت عن أعضائها فرحة العيد لفقدانها أحد أفرادها أو أحبائها".

واستذكر يونان "مجازر ومذابح الإبادة الجماعية التي تعرض لها السريان كما أخوتهم الأرمن والآشوريون والكلدان والروم منذ مئة عام"، ذاكرا "باعتزاز جميع الشهداء الذين سفكوا دماءهم ذبائح محرقة على مذبح الشهادة، ففاح أريج عطرهم وأضحت دماؤهم بذارا للايمان"، وفي قمدمتهم المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي مطران جزيرة ابن عمر في تركيا، الذي تتابع الكنيسة السريانية دعوى تطويبه لدى الكرسي الرسولي".

وتقدم يونان "بالتهنئة الأبوية القلبية بعيد قيامة ربنا يسوع المسيح، راجين منه، وهو ملك السلام، أن ينشر أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصة في بلاد الشرق المعذَّب".