أسرجت السعودية خيول طائراتها مع حلفائها في المحور الأميركي وأصحاب معاهدات السلام مع العدو "الإسرائيلي" لـ"تأديب" اليمن وإخضاعه إلى بيت الطاعة السعودي، بحجة حماية الشرعية المستقيلة والمنتهية الولاية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي.

إن محاكمة العدوان السعودي والمتعدد الجنسيات وفق القانون الدولي والإسلامي والإنساني تجعله مداناً بعدوانه على الأبرياء، فالسعودية لم تأخذ تفويضاً أو إذناً من مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية المشلولة والغائبة والمشتتة.. أما وفق الأحكام الإسلامية، فإن خادم الحرمين الشريفين لم يلتزم بأحكام الإسلام وقوانينه، وأولها {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، وهنا نسأل: هل اعتدى الشعب اليمني وجيشه على الأراضي السعودية، أو قتلوا أحداً من السعودييين حتى تشن السعودية عليهم حرباً جوية وصاروخية دون مبرر؟

وهل يجيز الإسلام قتل الأبرياء بغير حق {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً}، فهل يجيز الإسلام قتل الأطفال والنساء والشيوخ غير المحاربين، إذا افترضنا أن اليمنيين أعداء الله؟

هذه النخوة العربية لحفظ الأمن القومي العربي ضد فقراء اليمن، والتي لم تظهر ضد العدو "الإسرائيلي" والأميركي في فلسطين ولا في الصومال ولا العراق أو لبنان، ولا حتى في ليبيا التي شرعت الجامعة العربية بقيادة السعودية وقطر أبوابها لكي يغتصبها "الناتو" والتكفيريون.

لماذا لا تحرر السعودية جزرها المحتلة من قبل العدو "الإسرائيلي" (تيران وصنافير..) منذ العام 1967، والتي رفض السادات ضمّها إلى اتفاقية "كامب دايفيد" لأنها أراض سعودية؟ فهل "إسرائيل" حليف للسعودية وليست عدواً؟

المغامرة السعودية في اليمن خطأ استراتيجي فوق طاقة تحمُّل الفرقاء في السعودية، لتداعياته على الداخل السعودي، وعلى مستوى المنطقة أيضاً. فالسعودية لا تملك القدرات البشرية التي تؤهّلها لخوض حرب استنزاف طويلة مع الشعب اليمني على المستوى العسكري والاقتصادي، خصوصاً أنها طعنت نفسها بتخفيض أسعار النفط نكاية بإيران وروسيا.

إن الفشل السعودي في اليمن بدأ مع بداية العدوان في أيامه الأولى، فباكستان مترددة بسبب وقوعها على فالق زلزالي في أفغانستان مع "طالبان"، وعلى فالق الفتنة المذهبية في الداخل الباكستاني، والإمارات مترددة، وشاركت بخجل في القمة العربية عبر حاكم الفجيرة، أما الملك الأردني فالتزم الصمت ولم يلقِ كلمته في القمة، وغادر الملك السعودي صاحب "القضية" قبل انتهاء القمة مع شريكه الرئيس اليمني.

بدأت القمة بطرح مصري لإنشاء قوات عربية مشتركة، وتحفّظت الجزائر والعراق، ودون حماسة سعودية، فبقي تحت عنوان "احتفاظ الجامعة بحق إنشاء قوة عربية مشتركة".. فمن ينشئها؟ ومتى؟ وهل ستبصر النور؟ وهل تهدف لحماية الأنظمة بمواجهة الشعوب؟

السعودية تريد استعادة ملك ضائع في اليمن، والتشويش على المفاوضات بين إيران والعالم بشأن ملفها النووي، والذي ستكون له تداعياته على المنطقة و"إسرائيل" في حال توقيعه، لكن الأميركيين سمحوا للسعودية باللعب في اليمن، للتفرغ للمفاوضات دون إزعاج.

فشلت السعودية في سورية التي صمدت، ولم تستطع إسقاط الرئيس بشار الأسد، وفشلت في العراق تحت ضربات الحشد الشعبي والجيش العراقي المدعوم بالعشائر السنية كبداية لحصار الفتنة المذهبية، وفشلت في لبنان، ولم تنجح في فلسطين، وتشتري الموقف المصري بوضع المال في "عدادات" الموقف المصري، واستضافت زين العابدين بن علي ولم تربح في تونس، ولا تأثير لها في ليبيا التي تدير نارها قطر.. فماذا بقي للسعودية؟

يحاول السعوديون نقل صراع الأجنحة في العائلة المالكة إلى خارج الحدود، لكن ما هي الضمانة التي يستندون عليها بعدم انتقال الحريق اليمني إلى أراضيهم ودخول المملكة في آتون ما سمي "الربيع العربي"، الذي توقده السعودية بأولادها من التكفيريين وتمويلهم؟

زعامة العالم الإسلامي "السُّني" سيحسمها الصراع السعودي - التركي، وإذا أسقط السعوديون "المشروع الفارسي" كما يدعون، فهل سيقبلون عودة الخلافة العثمانية التي قاتلها ابن سعود ومحمد عبد الوهاب في نجد والحجاز، ويسلمون "عقال" المملكة للخليفة أردوغان، نكاية بإيران؟

عسى أن تستدرك السعودية نفسها للنجاة قبل أن تغرق في الرمال اليمنية.