تسارعت الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بشكل سريع؛ وسّعت أميركا من خلال مشروعها القائم على الصراعات المذهبية والعرقية والطائفية في سورية واليمن والعراق لإعادة رسم المنطقة من جديد.

استفادت إيران من هذا المناخ الذي أوجدته أميركا في العراق، خصوصاً بعد تهديد "داعش" لإيران باقترابه من منطقة خانقان الملاصقة للحدود الإيرانية، فبادرت إلى التنسيق مع الحكومة العراقية، ودعمتها بالمال والسلاح لمواجهة الخطر التكفيري الذي يهدد أمن العراق وإيران، ودعمت الأكراد لصد هجمات "داعش" عن كركوك والموصل، ودعمت الحشد الشعبي الذي تبنّته الحكومة العراقية، وقدّمت له كل ما يلزم من أعتدة وتدريب، فكانت معركة الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين، والتي شارك فيها الجيش والعشائر السُّنية، وقد أدت إلى استعادة العديد من القرى، ووصل إلى مشارف تكريت، فحاصرها وتريّث للإعداد لخطة تحرير تكريت، إلا أنه بين فترة الاستعداد والبدء بالتحرير حدثت مجموعة أمور يحسن الوقوف عندها:

1- منذ بدء المعركة في منطقة صلاح الدين تحرّكت وسائل الإعلام والدول المعادية لخط الممانعة التي تسير في ركاب أميركا ضمن خطة مدروسة، لإظهار المعركة في تكريت وكأنها معركة الشيعة ضد السنة، وتصويرها بأنها تطهير مذهبي بقتل النساء والأطفال وتدمير البيوت، من أجل استثارة مشاعر المسلمين ودفعهم إلى المواجهة ضد الشيعة ومن تأثيرات هذا السيناريو الخطير انعطافة الخطاب الأزهري الشريف في مصر، والذي اتخذ منحى مذهبياً ضد الشيعة في العراق قبل أن يتبين من حقيقة ما حصل في صلاح الدين.

2- لم يقبل الحشد الشعبي ولا الحكومة العراقية أي مساعدة عسكرية من أميركا في تحرير تكريت، ليقولا لها إننا لسنا بحاجة إليك في محاربة الإرهاب.

3- طلب المساعدة من إيران، لأنها صادقة في مواجهة الإرهاب التكفيري، بينما أميركا كانت حاضنة له، ولاتريد القضاء عليه.

4- كانت معركة صلاح الدين نموذجية، لأنها ضمّت الحشد الشعبي والجيش العراقي والعشائر السّنية، وعلى رأسهم عشيرة الجبور، التي توازي 65% من عشائر صلاح الدين، وهي تكتسب أهمية استراتيجية لأنها ستكون النموذج لتحرير باقي العراق، ولأنها ستسقط مقولة الاقتتال المذهبي.

5- أصرّت قوات التحالف على المشاركة في معركة تكريت بعد محاصرتها، من أجل تغييب الإنجازات التي حصدها الحشد الشعبي، ولسرقة الانتصار منه.

6- إيهام المجتمع الدولي والعربي بأن أميركا هي الدولة الوحيدة القادرة على محاربة الإرهاب، ومن دونها سيبقى الإرهاب التكفيري سيفاً مسلَّطاً على رؤوس الجميع.

استدرجت أميركا رئيس الحكومة حيدر العبادي ليطلب المساعدة العسكرية منها، فكان لها ما أرادت، وبدأت معركتها الجوية، وبشكل كثيف، وهنا وقع الإشكال بين فصائل الحشد الشعبي والحكومة لأنها طلبت المساعدة من التحالف، فانكفأ الحشد الشعبي عن التصدي المباشر في المعركة، واتخذ مواقع خلفية له، وترك أمر دخول تكريت للجيش العراقي، فهل يستطيع الجيش وحده تحرير تكريت، مكتفياً بالدعم الجوي للتحالف؟ وهل سيبقى الحشد الشعبي في خطوطه الخلفية من دون مشاركة فاعلة في هذه المعركة التي تُعتبر محورية؟

قد تأخذ الأمور بعضاً من الوقت بناء على حسابات كل طرف من الأطراف، لكن الحشد الشعبي لن يبقى على تريّثه، وإن شارك التحالف في هذه المعركة، لأنه هو صاحب الانتصار والمعني بتقديم النموذج في التعاون بين أطياف المجتمع العراقي، لتفويت الفرصة على أميركا وأتباعها من أن تأخذ العراق مرة أخرى إلى صراع مذهبي مقيت، يعمي القلوب ويغيّب مصالح العراقيين ويودي بهم إلى شر مستطير.