بعد العدوان الخليجي ـــ الأميركي على اليمن، يضيف النائب وليد جنبلاط رهاناً جديداً الى رهاناته «الفاشلة» في العقد الأخير. من لبنان إلى سوريا، يبدو «حليف» تنظيم «القاعدة» متفائلاً، مع أن المعركة لا تزال في بداياتها!

أدخل عدوان «التحالف العربي» بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن، النائب وليد جنبلاط في «وقت مستقطع» حافل بالتفاؤل، بعد أشهر من شعور عارم بـ«الإحباط»، عكسته مواقفه وتصريحاته حول مستقبل المنطقة عموماً، وطائفة الموحّدين الدروز خصوصاً. غير أن المواقف المتقلبة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، أضحت جزءاً من شخصيّته السياسية، لا بل تحوّلت اصطفافاته إلى مؤشّر على بدء أو نهاية مرحلة سياسية، تحتّم عليه (وهو «الخائف على طائفته» وزعامته) الالتحاق سريعاً بركب المعسكر الذي يظنّه منتصراً.

علماً بأن الرجل، الذي يوجّه نقداً شديد اللهجة إلى قوى 14 آذار بسبب رهاناتها «الفاشلة» على الدعم الأميركي المطلق، وقع في لعبة الرهانات الفاشلة نفسها مرات عدّة خلال العقد الأخير، منذ الاحتلال الأميركي للعراق، مروراً بحرب تموز 2006، وأحداث 7 أيار 2008، وصولاً إلى الحرب السورية.

ولعلّ «ربط النزاع» الذي منحه حزب الله لجنبلاط لبنانياً، في مقابل عدم المسّ بالتوازنات الداخلية، على الرغم من أدائه دوراً متقدماً في تحريض دروز لبنان وسوريا ضدّ «محور المقاومة»، وتحالفه العلني مع «قاعدة الجهاد في بلاد الشام ــ جبهة النصرة»، مكّن الرجل من البقاء «على الحياد» شكلياً، في الحرب المستعرة بين معسكرين، من بغداد إلى عرسال.

لا أحد من سياسيي 8 آذار مقتنع بأن جنبلاط كان يوماً على الحياد في المواجهة المفتوحة بين محور المقاومة والمحور «الخليجي ــ الغربي». وتتقاطع أكثر من شخصية من هؤلاء (بعضهم تربطه به علاقة طيبة) على القول إن «جنبلاط قلباً وقالباً ضد محور المقاومة. لكنه أدرك جيداً ميزان القوة في لبنان بعد 7 أيار، لذلك حاول تحييد نفسه. ولأنه لا يستطيع أن يقدم للسعودية شيئاً في لبنان، أو يقف ضدّ إرادة حزب الله علناً في ملفّ رئاسة الجمهورية تحديداً، حاول استرضاء السعوديين باستخدام الدروز ضد الرئيس بشار الأسد».

العدوان السعودي على اليمن أفقد زعيم المختارة «ورقة التوت»، ودفعه في اتجاه إعلان مواقفه المعادية لإيران بشكل متكرّر خلال الأيام الماضية، مع أنه هاجم الجمهورية الإسلامية سابقاً على خلفية الحرب السورية مرات عدة، من دون أن يشكّل كلامه إزعاجاً حقيقياً للقيمين على سفارتي إيران في لبنان أو سوريا، على عكس ما سببته المواقف الأخيرة.

غير أن التحوّل الأبرز في مواقف رئيس الاشتراكي كان ما أدلى به الاثنين الماضي، غامزاً من قناة سلاح المقاومة، حين رفض «إعادة ربط المسارين اللبناني والسوري»، وهو مصطلح ارتبط في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف بعدم توقيع سلام منفرد مع إسرائيل من جهة لبنان أو سوريا. كذلك أشار جنبلاط إلى «ضرورة ترسيم الحدود في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا»، والى «إعلان بعبدا الذي يؤكد حصرية السلاح في يد الدولة».

وهو تابع هجومه على حزب الله، حين اصطف للمرة الأولى منذ ما بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بهذا الوضوح، معلناً تأييده المطلق لموقف رئيس الحكومة تمام سلام في القمة العربية الأخيرة، نازعاً من وزيري حزب الله الحقّ في النقاش والمشاركة في موقف لبنان الرسمي في القضايا الخارجية. وللأمانة، يشكّل موقف جنبلاط الجديد من حزب الله، مادة دسمة لدى خصومه من الدروز لـ«التعليم» على الحزب في علاقته بجنبلاط، على الرغم من دوره السلبي في الحرب على سوريا.

بيد أن تملّق «البيك» لتنظيم «القاعدة» في سوريا لا يدخل ضمن تقلّباته. إذ التزم على مدى العامين الأخيرين الانحياز المطلق إلى جانب التنظيم الإرهابي، على رغم إدراج الأميركيين «النصرة» على لائحة الإرهاب، وكلّ ما ارتكبه ويرتكبه «شقيق داعش» في المدن والقرى السورية، وآخرها مدينتا إدلب وبصرى الشام وقتله عناصر الجيش اللبناني واختطافهم. وإذا كان جنبلاط يبرّر موقفه هذا، ولقاءاته المتكرّرة بمسؤولي «النصرة» في تركيا، بحماية أبناء قرى جبل السماق الدروز في ريف إدلب وحماية الجنود اللبنانيين الدروز المختطفين من الذبح، فإن ممارسات «النصرة» من ريف دمشق وعدرا العمالية ومدن محافظة درعا، حتى جبل السماق في إدلب ومدينة إدلب، تثبت أن هذا التنظيم لا يستكين إلى اتفاق أو معاهدة، ولا يلبث أن يفرض أحكام «الشريعة» على سكان المناطق التي يسيطر عليها. وبالمناسبة، لم يكد جنبلاط أن يوجّه تحياته لـ«الثوار الذين حرروا إدلب وبصرى الشام»، حتى قابله هؤلاء باقتتالٍ دامٍ داخل بصرى الشام بسبب الخلافات على المسروقات والغنائم. وكذلك في إدلب، حيث أعلن قائد «الثوار» زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني أن «أبناء إدلب سينعمون بعدالة الشريعة»، فضلاً عن المعلومات عن تصفيات يقوم بها حلفاء جنبلاط بحقّ المدنيين الأدالبة، مسيحيين ومسلمين، وتحطيمهم تمثال الثائر على الاستعمار الفرنسي إبراهيم هنانو، إمّا ظناً منهم أنه تمثال للرئيس الراحل حافظ الأسد، أو لأنهم ليسوا من السوريين، وفي اعتقادهم أن التمثال «شرك بالله»!

كذلك لم يعد ارتباط «النصرة» بإسرائيل سراً، لا في الصحافة الأجنبية والعبرية، ولا في تقارير الأمم المتحّدة، قبل أن يقطع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الشكّ باليقين، مشيراً إلى «النصرة» بـ«جيش اللحد السوري»، وما يعنيه هذا الأمر من تعامل حزب الله مع «النصرة» كتعامله مع عملاء لحد.

أكثر من ذلك، اتخذ جنبلاط من سقوط مدينة بصرى الشام (تبعد عن مدينة السويداء نحو 20 كلم) منصة لدعوة دروز المحافظة إلى الوقوف على الحياد في المعارك الدائرة بين الجيش السوري وأهالي بصرى وآلاف المرتزقة الخليجيين والأجانب الذين اجتاحوا المدينة بإدارة «غرفة العمليات الأردنية». ومع أن مواقف جنبلاط لم تترك الأثر البالغ داخل السويداء في الماضي، إلّا أن اكتمال طوق الحصار على المحافظة ذات الغالبية الدرزية بعد سقوط بصرى الشام، والتوجيه الميداني للمسلحين من قبل الاستخبارات الأردنية والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مستقبلاً، قد يضعها تحت الضغط، تمهيداً لجرّها إلى خيارات سياسية جديدة، ليس بينها البقاء تحت سقف الدولة السورية. وبذلك، تكون دعوة جنبلاط للدروز بعدم التسلح والدفاع عن أنفسهم، بمثابة دعوة إلى الانتحار في ظلّ مخططات التنظيمات الإرهابية التوسعية، أو دعوة لهم لطلب العون من قوى خارجية، كالتحالف الدولي، أو ربّما إسرائيل، التي لا تنفكّ تبدي سرّاً وعلناً رغبتها في «حماية الأقليات»، في وقت وتدعم التنظيمات الإرهابية في الجنوب السوري.