قبل أن ندخل في نوايا وأهداف الدول العربية التي أعلنت عن إنشاء "القوة العربية المشتركة"، والحديث عن المستهدَف فيها، وهل هو محور المقاومة في سورية ولبنان كما تقول بعض التحليلات، أو أنها ليبيا؛ كما يريد المصريون، والتي يعتبرون أنها تهدد الأمن القومي المصري بشكل كبير، أو مواجهة إيران وتخويفها، كما يقول البعض الآخر، من المهم بمكان أن نحدد مدى نجاح أو فشل قيام هذه "القوة" قبل الحديث عن المستهدف بها.

عند قراءة القرار الذي صدر بإنشاء هذه "القوة العربية المشتركة" يتبيّن لنا ما يلي:

أولاً: حدد القرار مهمة هذه القوة بمواجهة "التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية، وتشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية، وذلك بناء على طلب من الدولة المعنية". وعليه، فإن هذه العبارة التي حددت مهام القوة المنتظرة زرعت لها أفخاخاً قد يشكل أي منهما سبباً لإفشال أي مهمة مستقبلية قد تضطلع بها القوة، هذا في حال تشكيلها من الأساس.

الفخ الأول يتجلى في الإشارة إلى تهديدات التنظيمات الإرهابية، فهل تتفق جميع الدول الأعضاء الموافقة على تشكيل هذه القوة، على مفهوم واحد للإرهاب؟ وهل تصنيف المجموعات الإرهابية هو نفسه بين مصر والسعودية وقطر والإمارات الخ..؟ إن هذا الاختلاف في النظر إلى الخطر الإرهابي وتحديده سيجعل من الصعب لا بل من المستحيل اتفاق الدول العربية المشاركة على توصيف واحد للعدو الإرهابي الذي ستقاتله "القوة".

ثانياً: الجميع يعرف أن قوى الجيوش النظامية التقليدية ليست الأصلح لقتال غير تقليدي، وفي حروب لامتماثلة مع التنظيمات المسلحة، سواء كانت إرهابية أو غير إرهابية، لذا فإن الإعلان عن قوة التدخل العسكري التي ستقوم بقتال تقليدي وقصف جوي وحروب برية، تشير إلى أن العرب ما زالوا قاصرين عن إدراك التطوّر، والذي يفترض تأسيس قوات خاصة تتدرب على حروب الشوارع والعصابات للانتصار في حروب مع المجموعات المسلحة.

الفخ الثاني، والذي يبدو مقصوداً بالتأكيد - باعتبار أن الغموض البنّاء في هذا الأمر يخدم مصالح وأهداف الدول الطامحة لتشكيل تلك القوة - هو عبارة "بناء على طلب الدولة المعنية"، فهل هناك اتفاق بين العرب الموافقين على إنشاء هذه "القوة"، على من هو الممثل الشرعي لدولة ليبيا أو للدولة السورية على سبيل المثال لا الحصر؟

قد يقول حسنو النية من العرب إن هذه العبارة هدفها حفظ سيادة الدول العربية، وهو أمر مكفول في ميثاق الجامعة العربية، لكن ماذا لو قامت "حكومة الائتلاف السوري" بالطلب من القوة العربية التدخل العسكري في سورية؛ فهل سيكون هناك توافق بين جميع الدول العربية على التدخل، خصوصاً أن الحكومة السورية ستعتبر أن التدخل هو عمل عدواني، وستعتبر "القوة العربية" هي قوة احتلال، وستُعاملها على هذا الأساس؟

في النتيجة، لطالما أثبت التاريخ أن قرارات القمم العربية عادة ما تبقى حبراً على ورق، وهو ما يبدو أنه سيحصل لقرار تشكيل "القوة العربية المشتركة"، لكن في حال شُكّلت هذه "القوة" فستكون عنصراً إضافياً في التشرذم العربي والتسبب بمزيد من المآسي والضحايا، فالسعودية تريد من العرب دعم رغبتها في الهيمنة على الدول العربية الأضعف، ومصر تريدها لدور قيادي تطمح له، ويخفف من التحديات والأخطار التي تتهددها، بينما الدول العربية الأخرى ستنظر إلى مستقبل هذه القوة نظرة شكّ وريبة، خصوصاً أن في الذاكرة تجربة "قوات الردع العربية" التي دخلت لبنان، والتي أضافت انقساماً إلى الانقسامات اللبنانية الموجودة.

فلنأمل أن يكون تشكيل هذه القوة زوبعة في فنجان، ولنأمل أن تتعظ السعودية من التجارب العربية السابقة في العمل العربي المشترك، فتنهي الدول العربية هذه المهزلة المستمرة منذ عقود ومفادها: العربي يقتل أخاه للانتقام من الجيران!