عاش مجلس الوزراء بالامس فترة عصيبة قبل انبلاج الحل بفعل الجدل الذي شهده حول موقف رئيس الحكومة ​تمام سلام​ من "عاصفة الحزم" التي بدأتها السعودية في اليمن. "حزب الله" سارع فور سماع الموقف الى معارضته وهو ما تمثل بكلام وزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي قال ان سلام لم يعبّر عن موقف لبنان الرسمي حول هذه القضية.

من قرأ موقف "حزب الله" وموقف رئيس الحكومة، التبست عليه الامور، فالخلاف الاساسي في لبنان مع "حزب الله" هو وجوب اعتماده ​سياسة النأي بالنفس​ وعدم الخوض في الحرب السورية، وهو امر يرفضه الحزب جملة وتفصيلاً. اما اليوم، فيبدو الوضع معكوساً، اذ بدا وكأن "حزب الله" بات يطلب بأن تمارس الحكومة مطلبها بتطبيق سياسة النأي بالنفس عن الاحداث في اليمن، فيما اتى موقفها معاكساً حيث اصطفت مع الموقف العربي المؤيد للتحرك العسكري السعودي.

الحرب في سوريا والنزاع في اليمن، اثبتا بما لا يقبل الشك ان لبنان غارق في دوامة تطورات المنطقة، ولا يمكن تحت اي ذريعة ومهما تنمقت العبارات، القول انه يمكننا اعتماد سياسة النأي بالنفس. يفضل "حزب الله" اليوم اعتماد الحكومة سياسة النأي بالنفس على ان تكون مؤيدة للضربات الجوية السعودية على اليمن بشكل عام والحوثيين بشكل خاص، فيما تعتبر الحكومة انه لا يمكنها الخروج عن الاجماع العربي وعن التأييد للسعودية التي يعرف الجميع مدى تأثيرها على لبنان.

ومن وجهة نظر الحكومة، فإنها لعبت ايضاً ورقة اخرى وهي ان الوضع بين الحزب ودول الخليج يشهد فترة من التوتر الشديد، وهو ما تمثل بطرد مواطنين لبنانيين من الامارات، وبالتالي لو اتخذت الحكومة موقفاً مغايراً، ماذا كان ليحصل لآلاف اللبنانيين في الخليج؟

صحيح ان الخليج يعيش انقساماً صامتاً بين دوله، ولكن هذا الانقسام يتحول علناً الى تضامن حين تكون ايران في المقلب الآخر، رغم اقتناع الجميع ان المستقبل يحمل معه نظرة ورؤية اخرى لهذه العلاقة.

وجهتا نظر لا يمكن لوم اي فريق على السير بهما، اذ من الطبيعي ان يؤيد "حزب الله" الحوثيين كونهم من الطائفة والمذهب نفسه اولاً، كما ان سياستهم تتطابق تماماً مع سياسته. في المقابل، تبقى الطائفة السنّية في لبنان مخلصة للسعودية لانها تعتمد عليها في كل شاردة وواردة، وهي تشكل السند الرئيسي لها في اي خلاف محلي.

يتبيّن من ذلك ان الحل يكمن في تقارب سعودي- ايراني اقله في السياسة، وهو امر سينعكس حتماً على الوضع اللبناني وعلى الصراع السني- الشيعي فيه. صحيح ان الامور لن تخرج عن اطار المناوشات الكلامية بين الطرفين في لبنان، لكنها كافية لابقاء التوتر سائداً رغم جولات الحوار التي لم ولن تتوقف بين "تيار المستقبل" و"حزب الله".

انما في الواقع، هل يمكن تطبيق سياسة النأي بالنفس؟ في سوريا، لم يعد من الممكن ان يتراجع "حزب الله" لان صورته الاقليمية ومصير السلطة السورية ومستقبل الوضع في المنطقة اصبح على المحك، وقد لقي هذا التدخل قبولا غربياً بدليل "غض الطرف" الاميركي عن الامر، تبعه موقف مماثل من الاوروبيين.

في اليمن، لا يملك لبنان ولا "حزب الله" قدرة التدخل الميداني، لذلك فإن المواقف هي السلاح الوحيد لكل الاطراف اللبنانية، ولكن وقوف الحكومة الى جانب السعودية يبقيها ضمن الخط الموضوع منذ زمن بعيد، ولا يمكن بالتالي قطع هذا الخط بين ليلة وضحاها، ناهيك عن ان السعودية نجحت في استقطاب مواقف عربية مؤيدة لتدخلها العسكري الجوي، دون ان يعني ذلك نيتها الدخول في حرب مع ايران بشكل مباشر او غير مباشر. وتبعاً لذلك، ترى الحكومة انه يجب ان تبقى على المسار نفسه.

وبالتالي، يظهر بوضوح عدم امكان اللجوء الى خيار الحياد في موضوع يخص ايًا من البلدين المذكورين، لذلك ستستمر المواقف المتناقضة في لبنان تحت سقف لا يمكن تخطيه بفضل المظلة الاقليمية والدولية، ولعل ما حصل في مجلس الوزراء خير دليل على ذلك، اذ تم استعراض الآراء وادلى كل بدلوه، ثم جرى كلام سريع عن الموضوع قبل ان تعود الامور الى طبيعتها.

ستنقلب الادوار والمواقف وفق التغير السريع الذي سيطرأ نتيجة التطورات المتلاحقة، ولكن المؤكد هو ان سياسة النأي بالنفس غير قابلة للتحقيق في لبنان لاننا بكل بساطة، لسنا... سويسرا.