تتسابق التطورات الإقليمية والدولية في رمي ثقلها على كاهل اللبناني الذي دائمًا ما يتغنى بالديمقراطية التائهة عن أفعاله وممارساته، وخصوصا في إعلامه المنتشر على كافة أراضيه، إعلام لا لون لمعظمه ولا هدف سوى زيادة نسبة المشاهدة بأي طريقة ولو كلف الامر دمًا.

الشاشات الملوّنة كثيرة هي، ولكلّ شاشة إنتماء سياسي خلق قواعد جديدة، هدمت كل ما يتصف بالموضوعية، ورغم ذلك تبقى هذه الشاشات أفضل بكثير من بعضها الذي يتلون بحسب المناخ السياسي، فأن تكون صوتًا واضحًا لرأي وهدف واحد وإن إستخدمت من الموبقات ما شئت فلا عتب عليك فسياستك واضحة ولكن أن تميل مع الشراع وأن تتسم سياستك بسعر الدولار فهنا المصيبة التي لا حول ولا قوة لنا فيها سوى أن نصفق متى مال الركب معنا!

الغزو الثقافي لإعلامنا زاد في الآونة الاخيرة، ثقافة رخيصة تافهة عديمة الفائدة، ثقافة التعري والبرامج الوضيعة التي إختارت من وما يدمر ويفتت عقول اللبنانيين، ما يشغلهم عن ضياعهم وسقوطهم الإجتماعي، عن صرختهم التي انحصرت في تشجيع مطرب هنا ومشترك هناك، برامج أضحت شريكة السياسيين في الحصار على فكر المواطن بل تفتيت ما بقي فيه من أمل في الحراك أو في المطالبة بأبسط الحقوق، وإن تبنّت أي قناة قضية فما أكثر ما نراه من دعم للمرأة في محاربتها لمرض خطير أو من جنسية مسلوبة من قبل الدولة، ولكن أي جنسية نطالب بها في بلد لا طعام ولا شراب ولا سكن ولا حتى معيشة يقبل بها كائن حي "ضال"، وأي مرض نحذر منه في حين أن كل ما نأكله أو نرتديه يشع بالألوان السياسية التي باعت حتى أنفاسنا، أي قضايا هذه؟

وبحسب المشهد السياسي تختار السياسات الإخبارية مقدماتها، فيما الأقلام تبرع في صنع الخواطر الهائمة على وجه المشهد السياسي الحاضر، منهم من يكتب ما يجول في عقله ويلبي سياسة حزبه دون تراجع ولو زاد عليه من التوابل ما لذ وطاب، البهار الاعلامي للأحداث القائمة لا حاجة فيه لرقابة أو مداهمة فالمواصفات غير مطابقة بشهادة وزارة الاعلام المحتضرة على سرير دار العجزة، توابل تحوي الكثير من الشرذمة والتحقير والإسفاف، والبعض يكتب بحسب السوق المالية والاقليمية، ففي الداخل لا حدود ولا حواجز والحرية لا أبواب توصدها، فيما اذا كان الموقف يدق بلاط التنابل هنا تصدح الاقلام وتصبح الحرية خطا أحمر ووليدة الانفعالات والتوترات، وتصبح الأقلام تبحث عن أوراق مالية فيما الرمادية ممنوعة بل تذر بالعيون، ومهما كان الموقف صحيحا وشجاعا يضحى قائله متوترًا وتابعًا لمحور آخر، وتصبح التوابل متاحة وغذاء دسمًا يتلذذ به التنابل اصحاب الاسهم والنفط والبترودولار، أما الإعلام يبقى كما هو في أكثر حالاته رخيص وبائع هوى.