لم تعد الأنباء عن العمليات التي تقوم بها قوات ما يسمى بـ"​التحالف الدولي​ لمحاربة الإرهاب"، تتصدر قائمة الأخبار في وسائل الإعلام العربية والإقليمية، حتى بات الكثيرون يعتقدون أن هذا التحالف نجح في القضاء على التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، لا سيما "القاعدة" و"داعش"، في حين نجحت عملية "​عاصفة الحزم​" التي تقودها السعودية في اليمن في سرقة الأضواء بشكل كامل، على الرغم من أنها لم تنجح حتى الساعة في تحقيق أي من الأهداف التي حددتها في بداية المعركة، لكن الأخطر هو ما تتحدث عنه بعض الأوساط عن أن التحالفين يصطدمان في الأهداف البعيدة على نحو بعيد.

من حيث المبدأ، لم يعد خافياً على أحد الحديث عن تضارب في الرؤية بين واشنطن والرياض في النظرة إلى الخطر الكائن على الأرض اليمنية، لا سيما بالنسبة إلى تنامي نفوذ الجماعات المتحالفة أو التابعة لتنظيم "القاعدة" في ظل الغارات التي تستهدف قوات الجيش وحركة "أنصار الله"، التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية الخطر الأول، في حين أن السعودية تعتبر أن التهديد نابع من توسع النفوذ الإيراني على مقربة من حدودها، في ظل الكثير من التحليلات التي ترى أن السعودية وقعت في فخ إستنزافها في المستنقع اليمني، خصوصاً أن العملية التي يقوم بها تحالفها مع بعض القوى الإقليمية أصبحت من دون أي أفق.

من وجهة نظر بعض المراقبين، الخطر الأبرز هو في المعطيات التي تتحدث عن إستفادة التنظيمات الإرهابية من الحرب اليمنية، ليس فقط على الصعيد العسكري بسبب توجيه الجهود نحو اليمن، ما يعني تخفيف الضغط عنها بشكل أو بآخر، بل من خلال تقديمها مادة يمكن لها أن تستخدمها على الصعيد التعبوي والإعلامي على نطاق واسع، وتوضح مصادر متابعة لعمل هذه الجماعات في هذا السياق أنها باتت تستغل التوتر القائم بين طهران والرياض، لا سيما بعد أن أخذ طابعاً مذهبياً، بسبب بعض التصريحات التي صورت الصراع بأنه سني شيعي وليس سياسياً بين مشروعين متناقضين منذ سنوات طويلة، لإستقطاب المزيد من المؤيدين، خصوصاً من يرى أن الأنظمة العربية لن تكون قادرة على الوقوف بوجه المدّ الإيراني.

وتشرح هذه المصادر أن "القاعدة" و"داعش" يعملان على تصوير تلك الأنطمة، على الصعيد الدعائي، بأنها عاجزة عن أداء المهمة، بالرغم من أن أنصارهما يعملون على الإستفادة من المواقف الحالية، عبر القول بأن تلك الأنظمة تأخرت في إستشعار الخطر، وتقديم الرؤية "الجهادية" كقوة قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة، لا سيما بعد أن عملت خلال السنوات السابقة على تقديمها على أساس أنها "عميلة"، خاضعة للإرادتين الإسرائيلية والأميركية، وحملتها مسؤولية الإحباط على الساحة الإسلامية الناتج عن الفشل في معالجة القضايا الأساسية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الخطاب المذهبي هو المادة الأساس التي تعيش عليها الحركات المتطرفة، واليوم إرتفع منسوب هذا الخطاب لدرجة قياسية بدل العمل على معالجة ذيوله لدعم الحرب المعلنة على التطرف، مما سيؤدي إلى إضعاف تلك الحرب التي لم تتنبه بالأساس إلى أهمية المعركة على الصعيدين الإعلامي والفكري، وتتوقع أن تكون النتائج كارثية في المرحلة المقبلة. وتعطي هذه المصادر مثالاً عن الواقع على الساحة اللبنانية للتأكيد على ما تقوله، حيث تشير إلى أن الحوار بين تيار "المستقبل" و"حزب الله"، ولو كان شكلياً فقط، ساعد الأجهزة الأمنية على القيام بواجباتها في ملاحقة الإرهابيين، في حين أن مرحلة التوتر السابقة كانت تمنعها من تحقيق إنجازات نوعية، لا بل كانت الإتهامات توجه إليها عند أي إجراء.

وفي ظل غياب أي توجه لمعالجة الأزمة اليمنية، التي باتت تعتبر حجر الأساس في كل القضايا الإقليمية العالقة، ترى المصادر أن السؤال المركزي الذي يجب أن يطرح هو عن الواقع الذي ستتجه إليه الأمور بحال فشل عملية "عاصفة الحزم"؟ خصوصاً أن الطريقة التي تمّ الترويج لها على أساس أنها معركة "قومية" و"مصيرية" ستؤدي إلى إحباط الكثيرين، الأمر الذي يعني وقوع الآلاف من الشبان في شباك التنظيمات المتطرفة، التي تنتظر بفارغ الصبر الإعلان عن فشل هذه العملية رسمياً للعمل على إستغلال الأمر إعلامياً ودعائياً.

في المحصلة، ستكون الجماعات المتطرفة أكثر المستفيدين من التوتر المذهبي القائم، من خلال تأمين الأرضية الخصبة لها، وهي لن تتردد باستغلالها إلى أبعد الحدود في وقت قريب، مع العلم أن أسلوبها في العمليات بدأ يظهر بشكل أكبر.