على الرغم من عدم النجاح الكبير للبنان من ناحية خدمات البريد، على انواعه، يبقى بالنسبة للكثيرين صندوق البريد المفضل لديهم في حروبهم السياسية وحتى الامنية. وكي لا نعود بالزمن، سنتوقف عند ما يحصل حالياً من "حرب باردة" بين السعودية وايران في ما خص اليمن، وهي حرب "قلوب مليانة" زادها حدة دون شك الاتفاق الاولي بين طهران والغرب في ما خص الملف النووي الايراني.

فتحت الساحة اللبنانية على مصراعيها ترحيباً بالمواجهات الكلامية من مختلف العيارات بين المسؤولين السعوديين والايرانيين، ما انعكس حرباً كلامية حادة بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" علماً انهما غير معنيين مباشرة بالازمة السعودية-الايرانية الا من حيث الانتماء الديني والسياسي، فلا "حزب الله" ارسل عناصره الى اليمن، ولا "تيار المستقبل" يمد السعوديين بالدعم العسكري والمادي.

واللافت ان كل هذه الحروب تجري باسم الديمقراطية والمصلحة اللبنانية، فيما هذان العنوانان ابعد ما يكون عن الواقع. ولكن الخطورة ان الامور لم تقف عند هذا الحد، بل تعدّتها الى ما يمكن اعتباره سيطرة نفوذ على الساحة اللبنانية بين ايران والسعودية. هذا الامر تمثل باجتماع "خليجي" عقده السفير السعودي لدى لبنان علي عواض العسيري مع نظرائه الخليجيين المعتمدين في لبنان، وبدا بمثابة رسالة واضحة للبنانيين ان الخليجيين مصرون على الوقوف خلف السعودية بشتى الاشكال بما فيها المواقف الضاغطة والتي يمكن اعتبار ابرزها تهديد مصالح المغتربين اللبنانيين في هذه الدول.

من جهتها، تراهن ايران على "حزب الله" للعب الدور الكامل لخلق التوازن اللازم وعدم ترك الساحة للسعوديين، وهذا ما يقوم به الحزب الذي هاجم السعودية بشكل مباشر. ويمكن القول ان ايران مرتاحة الى ان التوازن في لبنان لن يهتز، لاسباب عدة اهمها:

- الاطمئنان الى ان الاتفاق مع الغرب يوفر مركزاً معنوياً كافياً لمنع اي استهداف لها بشكل مباشر في اي مكان في العالم، وبالتالي فإن مكانتها السياسية ستبقى محفوظة لا بل ستتعزز.

- في لبنان تحديداً، لا تتخوف ايران من تنامي النفوذ السعودي، اذ اثبتت التجارب انه لا يمكن الركون الى سلطة واحدة في بلد الطوائف المتعددة، كما لا يمكن الغاء طائفة على حساب اخرى مهما طال الامر. كما تعتبر طهران ان اللبنانيين لن يتقبلوا وجود منظمات ارهابية تكفيرية (سنّية) على ارضهم وسيجدون في الطائفة الشيعية خير مناصر لهم للمواجهة.

اما سياسة مصالح المغتربين في الخليج، فترى ايران ان طرد دفعة كبيرة جداً من اللبنانيين من دول الخليج سيؤثر سلباً على نظرة اللبنانيين جميعاً (بمن فيهم السنّة) الى هذه الدول التي اختارت "الانتقام" من أناس يعملون من اجل لقمة العيش.

- لن تغامر السعودية ودول الخليج باستهداف لبنان الرسمي باجراءات او تدابير، لان من شأن ذلك تقويض صلاحية الطائفة السنّية في لبنان، فإذا ما "عوقبت" الحكومة اللبنانية يكون الاستهداف للطائفة المعنيّة اولاً، ولذلك تجد هذه الدول مبرراً للحكومة في كل ما يحصل على غرار رد الفعل على كلام الامين العام لـ"حزب الله" ضد السعودية وكيفية تنصّل لبنان منه.

- لا يزال لبنان يتمتع بالغطاء الدولي الذي يفرض عدم تدهور الامور الى حد المواجهات غير الكلامية، وهذا هو سبب استمرار الحوار بين الحزب و"المستقبل" رغم كل التصعيد الكلامي بينهما، وهو امر سيبقى ويستمر الى ان تتغير الوقائع والمعطيات الاقليمية والدولية.

لن يكون هناك منتصر في لعبة شدّ الحبال بين السعودية وايران على الارض اللبنانية، ولكن اللعبة لن تتوقف وهي تحمل مكاسب معنوية لاثبات الوجود، وسيبقى التعادل سيد الموقف حتى اشعار آخر.